كتاب تفسير حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن (اسم الجزء: 14)

"القاموس": البلاغ: كسحاب الكفاية. وقوله: {وَلِيُنْذَرُوا بِهِ}: معطوف على محذوف مع متعلقه تقديره: أنزل إليك ليبلغهم إلى ما فيه صلاحهم ورشادهم، ولينذروا به؛ أي: وليخوفوا بالقرآن ومواعظه وزواجره عما فيه هلاكهم وشقاؤهم {وَلِيَعْلَمُوا} بما فيه من الحجج والبراهين {أَنَّمَا هُوَ}؛ أي: الله سبحانه وتعالى {إِلَهٌ وَاحِدٌ}؛ أي: معبود منفرد في ذاته وصفاته وأفعاله لا شريك له، فيعبدوه ولا يعبدوا إلهًا غيره من الدنيا والهوى والشيطان وما يعبدون من دون الله؛ أي: وليعلموا بما فيه ويستدلوا على وحدانية الله تعالى {وَلِيَذَّكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ}؛ أي: وليتعظ بهذا القرآن وما فيه من المواعظ أصحاب العقول الكاملة، والأفهام الثاقبة، والعقائد الصحيحة فهو عظة لمن اتعظ وعبرة لمن اعتبر. وقيل (¬1): هذه اللامات متعلقة بـ {بَلَاغٌ}؛ أي: هذا القرآن بلاغ للناس؛ أي: كفاية لهم في أن ينصحوا وينذروا ويعلموا بما أقام الله تعالى فيه من الحجج والبراهين ووحدانيته سبحانه وتعالى، وأنه لا شريك له، وليتعظ به أصحاب العقول التي تعقل وتدرك، وأسند التذكر والاتعاظ إلى من له لب؛ لأنهم هم الذين يجدي فيهم التذكر.
واعلم: أنه (¬2) سبحانه وتعالى ذكر لهذا البلاغ ثلاث فوائد هي: الغاية والحكمة في إنزال الكتب، وتكميل الرسل للناس واستكمالهم القوة النظرية التي منتهى كمالها التوحيد، واستصلاح القوة العملية الذي هو التدرع بلباس التقوى. وقرأ (¬3) مجاهد وحميد شذوذًا: {ولتنذروا} بتاء مضمومة وكسر الذال كأن البلاغ لعموم المخاطبين. وقرأ يحيى بن عمارة الذراع عن أبيه وأحمد بن يزيد بن أسيد السلمي: {ولينذروا} بفتح الياء والذال مضارع نذر بالشيء إذا علم به، فاستعد له قالوا: ولم يعرف لهذا الفعل مصدر، فهو مثل عسى وغيره مما استعمل من الأفعال، ولم يعرف له أصل.
وناسب مختتم هذه السورة مفتتحها (¬4)، وكثيرًا ما جاء في سور القرآن حتى إن بعضهم زعم أن قوله: {وَلِيُنْذَرُوا بِه} معطوف على قوله: {لِتُخْرِجَ النَّاسَ}.
¬__________
(¬1) الشوكاني.
(¬2) البيضاوي.
(¬3) البحر المحيط.
(¬4) البحر المحيط.

الصفحة 457