كتاب تفسير حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن (اسم الجزء: 14)
وخلاصة ذلك (¬1): أنك الآن في بلاءٍ شديد، ويخاف أن يحصل لك ما هو أكثر وأشد، وهم يريدون بذلك منعه من البكاء والأسف، وإن كانوا هم سبب أحزانه ومنشأ همومه وغمومه، وإنما (¬2) قالوا له ذلك؛ لأنهم علموا باليقين أنه يداوم على ذلك.
وأصل {تَاللَّهِ تَفْتَأُ}؛ أي: والله لا تفتأ ولا تزال، فلا (¬3) محذوفة في جواب القسم للتخفيف لعدم الالتباس؛ لأنه لو كان الجواب مثبتًا .. للزمه اللام ونون التوكيد عند البصريين، أو إحداهما عند الكوفيين، وذلك نظير قول العرب: والله أقصدك أبدًا، يعنون: لا أقصدك. وقال الفراء إن (لا) مضمرة؛ أي: لا تفتأ. قال النحاس: والذي قال صحيح، وقد روي عن الخليل وسيبويه مثل قول الفراء، وأنشد الفراء محتجًا على ما قاله قول امرئ القيس:
فَقُلْتُ يَمِيْنَ اللهِ أَبْرَحُ قَاعِدًا ... وَلَوْ قَطَعُوْا رَأسِيْ لَدَيْكِ وَأوْصَالي
يريد: لا أبرح.
وقالت الخنساء:
فَأقْسَمْتُ آسَى عَلَى هَالِكٍ ... أوَ أسْألُ نَائِحَةً مَالَهَا
أرادت: لا آسى.
وقال الآخر:
لَمْ يَشْعُرِ النَّعْشُ مَا عَلَيْهِ مِنَ الْـ ... ـعُرْفِ وَلا الحَامِلُوْنَ مَا حَمَلُوْا
تَاللهِ أَنْسَى مُصِيْبَتي أبَدَا ... مَا أسْمَعَتْنِي حَنِيْنَهَا الإِبِلُ
وقرأ أبو عمران وابن محيصن وأبو حيوة شذوذًا (¬4): {قالوا باللهِ} - بالباء - وكذلك كل قسم في القرآن، ويقال: فتىء وفتا لغتان فيه، (¬5) ولا يستعملان إلا
¬__________
(¬1) المراغي.
(¬2) القرطبي.
(¬3) روح البيان.
(¬4) زاد المسير.
(¬5) القرطبي.