كتاب تفسير حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن (اسم الجزء: 15)
إمامًا لأنه يؤتم ويتبع، وقال ابن قتيبة: لأن المسافر يأتم به حتى يصل إلى الموضع الذي يريده، وقيل الضمير للأيكة ومدين؛ لأن شعيبًا كان ينسب إليهما.
80 - ثم إن الله سبحانه ختم القصص بقصة ثمود فقال: {وَلَقَدْ كَذَّبَ أَصْحَابُ الْحِجْرِ الْمُرْسَلِينَ (80)} والحجر (¬1) بكسر الحاء وسكون الجيم اسم لأرض ثمود قوم صالح - عليه السلام - بين المدينة والشام، عند وادي القرى التي كانوا يسكنونها، وكانوا عربًا، وكان صالح - عليه السلام - من أفضلهم نسبًا، فبعثه الله إليهم رسولًا - وهو شاب - فدعاهم حتى شمط، ولم يتبعه إلا قليل مستضعفون، وقال (¬2): {الْمُرْسَلِينَ} ولم يرسل إليهم إلا صالح لأن من كذب واحدًا من الرسل .. فقد كذب الباقين، لكونهم متفقين في الدعوة إلى الله، وقيل: كذبوا صالحًا ومن تقدمه من الأنبياء، وقيل: كذبوا صالحًا ومن معه من المؤمنين.
أي: وعزتي وجلالي لقد كذب ثمود نبيهم صالحًا - عليه السلام - ومن كذب رسولًا من رسل الله .. فكأنما كذب الجميع، لاتفاق كلمتهم على التوحيد، والأصول العامة التي لا تختلف باختلاف الأمم والأزمان
81 - {وَآتَيْنَاهُمْ}؛ أي: وآتينا ثمود وأريناهم {آيَاتِنَا}؛ أي: حججنا الدالة على نبوة صالح - عليه السلام - الناقة وغيرها، وقيل الآية: الناقة فقط، وإنما جمعها لأن فيها آيات جمة، كخروجها من الصخرة، ودنو نتاجها عند خروجها، وعظمها وكثرة لبنها، وإنما (¬3) أضاف الآية إليهم وإن كانت لصالح؛ لأنه مرسل إليهم بهذه الآيات {فَكَانُوا عَنْهَا}؛ أي: عن تلك الآيات {مُعْرِضِينَ}؛ أي: تاركين لها، غير ملتفتين إليها، ولا معتبرين بها، ولهذا عقروا الناقة، وخالفوا ما أمرهم به نبيهم
82 - {وَكَانُوا}؛ أي: وكان قوم صالح {يَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ}؛ أي: ينجرون وينقرون {بُيُوتًا} ومساكن من الجبال بالمعاويل ويثقبونها فيها حالة كونهم {آمِنِينَ} فيها من الانهدام، ونقب اللصوص وتخريب الأعداء، لوثاقتها، ومن الموت لاغترارهم بطول الأعمار، فهي حال مقدرة، أو من العذاب والحوادث لفرط غفلتهم، أو حسبانهم أن
¬__________
(¬1) روح البيان.
(¬2) الشوكاني.
(¬3) الخازن.