كتاب تفسير حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن (اسم الجزء: 15)

لندرك حقيقته، لأنا لم نؤت من الوسائل والأسباب ما يمكننا من معرفة ذلك معرفة صحيحة، تجعلنا نؤمن به إيمانًا مبنيًّا على البرهان بوسائله المعروفة، وليس لنا إلا التصديق بما جاء في الكتاب، وأوحي إلى النبي الكريم، والبحث وراء ذلك لا يقفنا على علمٍ صحيحٍ، بل على حدس وتخمين لا حاجة للمسلم به للإطمئنان في دينه، فالأحرى به أن يعرض عنه، لئلا يحيد عن القصد، ويضل عن سواء السبيل.

19 - وبعد أن ذكر الدلائل السماوية على وحدانيته .. أتبعها بذكر الدلائل الأرضية فقال: {وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا}؛ أي: ومددنا الأرض وبسطناها على وجه الماء العذب، وجعلناها (¬1) ممتدة الطول والعرض والعمق، ليمكن الانتفاع بها على الوجه الأكمل، وهذا فيما يظهر في مرأى العين، فلا يدل على نفي الكروية عن الأرض، لأن الكرة العظيمة ترى كالسطح المستوي، وفي "الخازن": وزعم (¬2) أرباب الهيئة أنها كرة عظيمة بعضها في الماء، وبعضها خارج عن الماء، وهو الجزء المعمور منها، واعتذروا عن قوله تعالى: {وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا} بأن الكرة إذا كانت عظيمة .. كان كل جزء منها كالسطح العظيم، فثبت بهذا الأمر أن الأرض ممدودة مبسوطة، وأنها كروية، والله أعلم بمراده، وكيف مد الأرض. انتهى.
{وَأَلْقَيْنَا فِيهَا}؛ أي: خلقنا في الأرض وجعلنا فيها جبالًا {رَوَاسِيَ}؛ أي: ثوابت لا تتحرك خوف أن تضطرب الأرض بسكانها، كما قال في آيات أخرى: {وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ}.
والمعنى (¬3): وجعلنا في الأرض رواسي بقدرتنا الباهرة، وحكمتنا البالغة، وذلك بأن قال لها: كوني فكانت، فأصبحت الأرض، وقد أرسيت بالجبال، بعد أن كانت تمور مورًا، فلم يدر أحدٌ مم خلقت.
¬__________
(¬1) المراغي.
(¬2) الخازن.
(¬3) روح البيان.

الصفحة 30