كتاب تفسير حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن (اسم الجزء: 15)

{وَأَنْبَتْنَا فِيهَا} وأنشأنا وأوجدنا في الأرض {مِنْ كُلِّ شَيْءٍ} من أنواع النباتات {مَوْزُونٍ}؛ أي: مقدر معلوم، فعبر (¬1) عن ذلك بالوزن، لأنه مقدار تعرف به الأشياء، وقيل: معنى موزون: مقسوم، وقيل: معدود، وقيل: الضمير راجع إلى الجبال؛ أي: وأنبتنا في الجبال؛ أي: وأنبتنا في الجبال من كل شيء موزون، من الذهب والفضة والنحاس والرصاص ونحو ذلك، وقيل: موزون بميزان الحكمة، ومقدر بقدر الحاجة، وقيل: الموزون المحكوم بحسنه، كما يقال: كلام موزون؛ أي: حسن.

20 - {وَجَعَلْنَا لَكُمْ} أيها العباد {فِيهَا}؛ أي: في الأرض {مَعَايِشَ}؛ أي: أسبابًا تعيشون بها، من المطاعم والمشارب والملابس، وغيرها مما يتعلق به البقاء، جمع: معيشةٍ، وقيل: هي الملابس، وقيل: هي التصرف في أسباب الرزق في مدة الحياة، والقول الأول أظهر؛ أي: إن (¬2) أنواع معايشكم من غذاء وماء ولباس ودواء، قد سخَّرناها لكم في الأرض، فلا السمك في البحر غذيتموه، ولا الطير في الجو ربيتموه، ولا غيرهما من أشجار الجبال والغابات وحيوان البر والبحر خلقتموه.
{وَمَنْ لَسْتُمْ لَهُ بِرَازِقِينَ} معطوف (¬3) على معايش؛ أي: وجعلنا لكم في الأرض معايش، وجعلنا لكم فيها من لستم له برازقين، وهم المماليك والخدم والأولاد الذين رازقهم في الحقيقة هو الله تعالى، وإن ظن بعض العباد أنه الرازق لهم، باعتبار استقلاله بالكسب، ولهذا الظن ذكرهم بهذا العنوان؛ لرد حسبانهم أنهم يكفون موؤناتهم، ولتحقيق أن الله تعالى هو الذي يرزقهم وإياكم، أو معطوف على محلِّ {لَكُمْ} وهو النصب؛ أي: جعلنا لكم فيها معايش، وجعلنا لمن لستم له برازقين فيها معايش، فيكون من عطف الجار والمجرور على الجار والمجرور، ولا يجوز العطف على الضمير المجرور في {لَكُمْ} لأنه لا يجوز عند الأكثر إلا بإعادة الجار؛ أي: وجعلنا لكم فيها من لستم رازقيه من العيال
¬__________
(¬1) الشوكاني.
(¬2) الشوكاني وروح البيان.
(¬3) المراغي.

الصفحة 31