كتاب تفسير حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن (اسم الجزء: 15)

والمعنى: أن الله سبحانه وتعالى لا يوجد للعباد شيئًا من تلك الأشياء المذكورة إلا متلبسًا ذلك الإيجاد بمقدار معين (¬1)، حسبما تقتضيه مشيئته، على مقدار حاجة العباد إليه، كما قال سبحانه وتعالى: {وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ}، وقد فسر الإنزال بالإعطاء؛ أي (¬2): وما نعطي ذلك الشيء إلا بقسطٍ محدودٍ، نعلم أن فيه الكفاية لدى الحاجة، وفيه الرحمة بالعباد، كما قال: {كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ}، وقد جرت عادة القرآن بأن يسمي ما يصل إلى العباد بفضل الله وجوده إنزالًا، كما قال: {وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ}، وقال: {وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ}، وجملة قوله: {وَمَا نُنَزِّلُهُ} معطوفة على مقدر - أي: وإن من شيء إلا عندنا خزائنه ننزله، وما ننزله - أو في محل النصب على الحال.
وقرأ الأعمش (¬3): {وما نرسله} مكان {وَمَا نُنَزِّلُهُ}، والإرسال أعم، وهي قراءة تفسير ومعنى، لا أنها لفظ قرآن، لمخالفتها سواد المصحف، وفي "روح البيان": {وَمَا نُنَزِّلُهُ}؛ أي: ما نوجد وما نكوِّن شيئًا من تلك الأشياء متلبسًا بشيء من الأشياء إلا بقدر معلوم؛ أي: إلا متلبسًا بمقدار معين، تقتضيه الحكمة، وتستدعيه المشيئة التابعة لها، وفي "تفسير أبي الليث": {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ}؛ أي: مفاتيح رزقه، ويقال: خزائن المطر، {وَمَا نُنَزِّلُهُ}؛ أي: المطر {إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ}؛ أي: إلا بكيل ووزن معروف.

22 - {وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ} معطوف على {وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ} وما بينهما اعتراض، والرياح: جمع ريح، وهو جسم لطيف منبث في الجو سريع المرور. اهـ "خطيب"، واللواقح: جمع لاقحة؛ أي: حاملة لأنها تحمل الماء إلى السحاب، فهي ملقحة، يقال: ناقة ملقحة إذا حملت الولد؛ أي: وأرسلنا الرياح وأنشأناها حالة كونها لواقح وحوامل للماء إلى السحاب، فهي حالة مقدرة، وقال
¬__________
(¬1) الشوكاني.
(¬2) المراغي.
(¬3) البحر المحيط.

الصفحة 33