كتاب تفسير حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن (اسم الجزء: 15)

لـ {إنَّا}، ولا يجوز كونه ضمير الفصل، لأنه لا يقع إلا بين الاسمين، {وَنُمِيتُ} بإعدامها وإزالتها عنها، وقد يعم الإحياء والإماتة لما يشمل الحيوان والنبات، والله تعالى يحيي الأرض بالمطر أيام الربيع؛ ويميتها أيام الخريف، ويحيي بالإيمان وميت بالكفر؛ أي: إنا نحن نوجد الحياة في المخلوقات، ونسلبها عنها متى شئنا، والغرض من ذلك الاستدلال بهذه الأمور على كمال قدرته تعالى، وأنه القادر على البعث والنشور، والجزاء لعباده على حسب ما يستحقونه، وتقضيه مشيئته، ولهذا قال: {وَنَحْنُ الْوَارِثُونَ}؛ أي: للأرض ومن عليها، لأنه سبحانه الباقي بعد فناء خلقه، الحي الذي لا يموت، الدائم الذي لا ينقطع وجوده، {وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ}؛ أَي: نحن الباقون بعد فناء الخلق، المالكون للملك عند انقضاء زمان الملك المجازي،
والمعنى (¬1): أي وإنا لنحيي من كان ميتًا إذا أردنا، ونميت من كان حيًّا إذا شئنا، ونحن نرث الأرض ومن عليها، فنميتهم جميعًا، ولا يبقى حي سوانا، ثم نبعثهم كلهم ليوم السحاب، فيلاقي كل امرئٍ جزاء ما عمل، إن خيرًا وإن شرًّا.

24 - ثم أقام الدليل على إمكان ذلك، وأثبت قدرته عليه فقال: {وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ}؛ أي: وعزتي وجلالي لقد علمنا منكم أيها العباد ولادة وموتًا؛ يعني: الأولين من زمان آدم إلى هذا الوقت (¬2)، واستقدم بمعنى تقدَّم، كما سيأتي في مبحت التصريف، وكذلك استأخر بمعنى تأخر فيما سيأتي، واللام فيه موطئة للقسم كما فسرنا، وكذا اللام في قوله: {وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ} منكم موطئة له؛ أي: وعزتي وجلالي لقد علمنا من تأخر منكم ولادة وموتًا، يعني الآخرين إلى يوم القيامة، وقيل: من تقدم طاعة ومن تأخر فيها، وقيل: من تقدم في صف القتال ومن تأخر، وقيل: المراد بالمستقدمين الأموات وبالمستأخرين الأحياء، وقيل: المستقدمون هم الأمم المتقدمون على أمة محمد - صلى الله عليه وسلم -، والمستأخرون: هم أمة محمد - صلى الله عليه وسلم -، وقيل: المستقدمون مَنْ قُتل في الجهاد، والمستأخرون من لم يُقتل.
¬__________
(¬1) روح البيان.
(¬2) روح البيان.

الصفحة 36