كتاب تفسير حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن (اسم الجزء: 16)

يوم بدر.
وحذفت الواو من {وَيَدْعُ الْإِنْسانُ} في رسم المصحف اتباعًا لخط اللفظ لعدم التلفظ بها لوقوع اللام الساكنة بعدها، كقوله: {سَنَدْعُ الزَّبانِيَةَ (18)} {وَيَمْحُ اللَّهُ الْباطِلَ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ} ونحو ذلك. {وَكانَ الْإِنْسانُ} بحسب جبلته {عَجُولًا}؛ أي: كثير العجل يسارع إلى طلب ما يخطر بباله، ولا ينظر عاقبته، ولا يتأنى إلى أن يزول عنه ما يعتريه، فالإنسان (¬1) عجولٌ قولًا وفعلًا يتمادى في الأعمال الموجبة للشر والعذاب، وفي الأثر: «المؤمن وقاف والمنافق وثاب».
وروي أن آدم قال لأولاده: كل عملٍ تريدون أن تعملوا فقفوا له ساعة، فإني لو وقفت ساعة .. لم يكن أصابني ما أصابني. وقال أعرابي: إياكم والعجلة، فإن العرب تكنِّيها أمَّ الندامات.
قيل: العجلة من الشيطان، إلا في ستة مواضع: أداء الصلاة إذا دخل الوقت، ودفن الميت إذا حضر، وتزويج البكر إذا أدركت، وقضاء الدين إذا وجب، وإطعام الضيف إذا نزل، وتعجيل التوبة إذا أذنب.

12 - ولما ذكر سبحانه دلائل النبوة والتوحيد، أكّدها بدليل آخر من عجائب صنعه، وبدائع خلقه، فقال: {وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهارَ} قدم الليل؛ لأن فيه تظهر غرر الشهور، ولأنه الأصل؛ أي: جعلناهما بسبب تعاقبهما، واختلافهما في الطول والقصر {آيَتَيْنِ} دالتين على وجود الصانع القدير، ووحدته، إذ لا بد لكل متغير من مغير، وإنما قال (¬2): {وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهارَ آيَتَيْنِ} بالتثنية، ولم يقل آية كما قال في موضع آخر {وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً} بالإفراد لأن الليلَ والنهار ضدان بخلاف عيسى ومريم، وقيل: لأن عيسى ومريم كانا في وقت واحد، والشمس والقمر آيتان، لأنهما في وقتين، ولا سبيل إلى رؤيتهما معا بصفتهما الرئيسية؛ أي (¬3): جعلنا الليل والنهار علامتين دالتين على تمام علمنا، وكمال قدرتنا، فلما
¬__________
(¬1) روح البيان.
(¬2) روح البيان.
(¬3) المراح.

الصفحة 31