كتاب تفسير حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن (اسم الجزء: 16)

يؤتيني {خَيْرًا مِنْ جَنَّتِكَ} هذه في الآخرة بسبب إيماني، لأن الجنة الدنيوية فانية، والأخروية باقية، والجملة جواب الشرط {وَيُرْسِلَ عَلَيْها}؛ أي: على جنتك في الدنيا {حُسْبانًا}؛ أي: عذابًا يرميها به {مِنَ السَّماءِ} من برد أو صاعقة أو نار قال في «القاموس» الحسبان: بالضم جمع حساب، والعذاب، والبلاء، والشّرّ، والصّاعقة، وإنما توقع (¬1) في حقه العذاب لعلمه بأنّ الكفران مؤد إلى الخسران، وأن الإعجاب سبب للخراب كما قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ} فكلامه هذا جواب عن قول صاحبه المنكر للبعث: {ما أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هذِهِ أَبَدًا}. {فَتُصْبِحَ} الإصباح هنا بمعنى الصيرورة؛ أي: فتصير جنتك {صَعِيدًا زَلَقًا}؛ أي: أرضًا ملساء لا نبات فيها، بحيث تزلق الرجل فيها لكفرك، ف زَلَقًا مصدر أريد به المفعول مبالغة؛ أي: فتصبح جنتك بعد إرسال الله عليها حسبانًا أرضًا ملساء تزلق فيها الأقدام لملاستها، باستئصال نباتها وأشجارها، وجوز القرطبي أن يكون {زَلَقًا} من زلق رأسه، إذا حلقه، والمراد: أنه لا يبقى فيها نبات كالرأس المحلوق، فـ {زَلَقًا} بمعنى مزلوق أيضًا

41 - {أَوْ يُصْبِحَ ماؤُها}؛ أي: ماء جنّتك معطوفة على الجملة التي قبلها {غَوْرًا}؛ أي: غائرًا داخلًا في الأرض ذاهبا فيها، لا تناله الأيدي، ولا الدلاء، فأطلق هذا المصدر مبالغة.
وقرأ الجمهور (¬2): {غَوْرًا} بفتح الغين، وقرأ البرجمي {غورا} بضم الغين، وقرأت فرقة بضم الغين، وهمز الواو، ويعنون بواو بعد الهمزة فيكون {غؤورا} كما جاء في مصدر غارت عينه {غؤورا} {فَلَنْ تَسْتَطِيعَ}؛ أي: فلن تقدر {لَهُ}؛ أي: للماء الغائر، {طَلَبًا} فضلًا عن وجدانه ورده، قال في «الجلالين»: لا يبقى له أثر تطلبه به؛ أي: لن تستطيع طلب الماء الغائر، فضلًا عن وجوده وردّه، ولا تقدر عليه بحيلة من الحيل، وقيل (¬3): المعنى فلن تستطيع طلب غيره عوضًا عنه.
والمعنى: أي (¬4) إن ترني أيها الرّجل أفقر منك فإني أرجو الله أن يقلب
¬__________
(¬1) روح البيان.
(¬2) البحر المحيط.
(¬3) الشوكاني.
(¬4) المراغي.

الصفحة 376