كتاب تفسير حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن (اسم الجزء: 16)

الله أو الملك، أي: وضع (¬1) في هذا اليوم الرهيب، كتاب كل إنسان في يده اليمنى، إن كان مؤمنًا، وفي يده اليسرى إن كان كافرًا، فقد تطايرت الكتب إلى أيدي الخلائق مثل الثلج {فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ}؛ أي: المشركين والمنافقين {مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ}؛ أي: خائفين مما في الكتاب من أعمالهم الخبيثة؛ أي: يحصل لهم خوف العقاب من الله بذنوبهم، وخوف الفضيحة عند الخلق بظهور الجرائم لأهل الموقف، {وَيَقُولُونَ}؛ أي: ويقول المجرمون عند وقوفهم على ما في الكتاب من السيئات، نقيرًا، وقطميرًا، تعجبًا من شأنه {يا وَيْلَتَنا}؛ أي: يا هلكتنا احضري وتعالي فهذا أوانك، يدعون على أنفسهم بالويل، لوقوعهم في الهلاك (¬2)، منادين لهلكتهم التي هلكوا بها من بين الهلكات، مستدعين لها ليهلكوا ولا يروا هول ما لاقوه، فإن الويل والويلة الهلكة.
{مالِ هذَا الْكِتابِ} قال البقاعي (¬3): رسم لام الجر وحده إشارةٌ إلى أنهم صاروا من قوة الرعب، وشدة الكرب، يقفون على بعض الكلمة؛ أي: أي شيء لهذا الكتاب حالة كونه {لا يُغادِرُ}، ولا يترك {صَغِيرَةً} من السيئات {وَلا كَبِيرَةً} من الذنوب تصدر عن جانيها، وقدّم الصغيرة اهتمامًا بها، وإذا أحصيت فالكبيرة أحرى. {إِلَّا أَحْصاها}؛ أي: إلّا عدها، وضبطها، وحواها، وأثبتها، وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - الصّغيرة التبسم، والكبيرة القهقهة، وعن سعيد بن جبير: الصغيرة: المسيس، والكبيرة الزنا؛ وهذا (¬4) الإحصاء لا يعارض قوله: {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ ...} الآية، إذ لا يلزم من العد عدم التكفير، إذ يجوز أن تكتب الكبائر ليشاهدها العبد يوم القيامة، ثمّ تكفّر عنه، فيعلم قدر نعمة العفو عليه اهـ كرخي.
{وَوَجَدُوا ما عَمِلُوا} في الدنيا من المعاصي الموجبة للعقوبة، أو وجدوا جزاء ما عملوا {حاضِرًا}، أي مكتوبًا مثبتًا في كتابهم، {وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا} من خلقه، فلا ينقص من حسنات أحد أجره الذي يستحقه، ولا يزيد على سيئات
¬__________
(¬1) المراح.
(¬2) روح البيان.
(¬3) روح البيان.
(¬4) الفتوحات.

الصفحة 388