كتاب تفسير حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن (اسم الجزء: 16)

51 - ثم بيّن السبب في عدم استحقاق إبليس وذريته هذه الولاية في أنفسهم بعد بيان خباثة أصلهم، فقال: {ما أَشْهَدْتُهُمْ}؛ أي: ما أحضرت إبليس وذريته {خَلْقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ} لأعتضد بهم في خلقهما، وأشاورهم في تدبير أمرهما، حيث خلقتهما قبل خلقهم، وفيه (¬1) ردّ لمن يدّعي أن الجن يعلمون الغيب؛ لأنهم لم يحضروا خلق السموات والأرض حتى يطّلعوا على مغيّباتهما، {وَلا} أشهدتهم {خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ}؛ أي: ولا أشهدت بعضهم خلق بعضهم، كقوله تعالى: {وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ}.
والمعنى: أي (¬2) ما أحضرت إبليس وذريّته خلق السموات والأرض، ولا أشهدت بعضهم خلق بعض فكيف تطيعونهم، وتعبدون الأصنام من دوني، وهم عبيد أمثالكم لا يملكون لأنفسهم نفعًا ولا ضرًّا.
وقصارى ذلك (¬3): ما أطلعتهم على أسرار التكوين، وما خصّصتهم بخصائص لا تكون لسواهم، حتى يقتدي الناس بهم، فأنا المستقل بخلق الأشياء كلها، ومدبرها ليس لي في ذلك شريك ولا وزير.
{وَما كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ}؛ أي: الشّياطين الذين يضلون الناس عن الدين، والأصل (¬4) متخذهم، فوضع المظهر موضع المضمر، ذمًا لهم وتسجيلًا عليهم بالإضلال، {عَضُدًا}؛ أي: أعوانًا في شأن الخلق وفي شأن من شؤوني حتى يتوهم شركتهم في التولي، بناء على الشركة في بعض الأحكام الربوبية، وقال في «القاموس»: العضد النّاصر، والمعين، وهم عضدي وأعضادي، انتهى.
والمعنى: ما استعنت على خلق السموات والأرض بهم، ولا شاورتهم، وما كنت متخذ الشياطين أو الكافرين أعوانًا، ووحّد العضد لموافقة الفواصل؛ أي: وما كنت متّخذ من لا يهدون إلى الحق أعوانًا وأنصارًا، لأنهم يضلون، فمتبعهم يحور عن قصد السبيل، ولا يصل إلى هدى فكيف اتبعوهم وعبدوا
¬__________
(¬1) روح البيان.
(¬2) المراغي.
(¬3) المراغي.
(¬4) روح البيان.

الصفحة 408