كتاب تفسير حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن (اسم الجزء: 16)

بعيدًا، أو واديًا في جهنم من قيح ودم، وذلك أن المشركين الذين اتّخذوا من دون الله آلهة: الملائكة، وعزيرا، وعيسى ومريم، عليهم السلام. دعوا هؤلاء فلم يجيبوهم استهانةً بهم، واشتغالًا بأنفسهم، ثم حيل بينهم، فأدخل الله تعالى هؤلاء المشركين جهنّم، وأدخل عزيرًا وعيسى ومريم الجنّة، وسار الملائكة إلى حيث أراد الله من الكرامة، وحصل بين الكفار ومعبوديهم هذا الحاجز وهو ذلك الوادي.
وعلى هذا فهو اسم مكان، ويحتمل كونه مصدرًا من وبق يبق وبوقا، كوثب وثوبا أو من وبق يوبق وبقًا كفرح يفرح فرحًا إذا هلك أي: مهلكًا يشتركون فيه، وهو النار، وقال الفراء: {وَجَعَلْنا بَيْنَهُمْ}؛ أي: تواصلهم في الدنيا {مَوْبِقًا}؛ أي: هلاكًا في الآخرة، فالبين على هذا القول التواصل كقوله تعالى: {لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ} في سورة الأنعام على قراءة من ضم النون، ومفعول أول لـ {جَعَلْنا} وعلى الوجه الأول مفعولٌ ثان.

53 - {وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ}؛ أي: الكافرون {النَّارَ} من مكان بعيد {فَظَنُّوا}؛ أي: أيقنوا {أَنَّهُمْ مُواقِعُوها}؛ أي: واردوها (¬1)، وداخلوها، ومخالطوها في تلك الساعة من غير تأخير لشدة ما يسمعون من تغيظها، وزفيرها كقوله تعالى: {إِذا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَها تَغَيُّظًا وَزَفِيرًا}، والمكان (¬2) البعيد، قيل: مسيرة خمس مئة سنة، والظن هنا بمعنى اليقين، والمواقعة المخالطة بالوقوع فيها، وقيل: إن الكفّار يرون النار من مكان بعيد، فيظنون ذلك ظنًا {وَلَمْ يَجِدُوا عَنْها}؛ أي: عن النار {مَصْرِفًا}؛ أي: مهربًا ومعدلًا يعدلون إليه، ومكانًا ينصرفون إليه، أو انصرافًا عنها، لأن النّار أحاطت بهم من كل مكان.
وفي مصحف عبد الله (¬3): {ملاقوها} مكان مواقعوها، وقرأه كذلك الأعمش، وابن غزوان، عن طلحة، والأولى جعله تفسيرًا لمخالفته سواد
¬__________
(¬1) الواحدي.
(¬2) روح البيان.
(¬3) البحر المحيط.

الصفحة 411