كتاب تفسير حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن (اسم الجزء: 16)

فقال: {وَمَنْ أَظْلَمُ} استفهام إنكاري مضمن للتوبيخ؛ أي: من أشد ظلمًا {مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآياتِ رَبِّهِ}؛ أي: وعظ بالقرآن الكريم فقوله: {ذُكِّرَ} قد روعي لفظ {من} في خمسة مواضع هذا أولها، وروعي معناها في خمسة أولها: قوله {عَلى قُلُوبِهِمْ}. اهـ شيخنا. {فَأَعْرَضَ عَنْها}؛ أي: فصرف عنها، ولم يتدبرها، ولم يتفكرها {وَنَسِيَ ما قَدَّمَتْ يَداهُ} من الكفر والمعاصي، وتغافل عنها، ولم يتفكر في عاقبتها، ولم ينظر في أن المسيء والمحسن لا بد لهما من جزاء، ولما كان (¬1) الإنسان يباشر أكثر أعماله بيديه غلّبت الأعمال باليدين على الأعمال التي تباشر بغيرهما، حتى قيل في عمل القلب: هو ممّا عملت يداك، وحتى قيل لمن لا يدين له: ما قدمت يداك، قال بعضهم: أحق الناس تسمية بالظلم من يرى الآيات فلا يعتبر بها، ويرى طريق الخير فيعرض عنها، ويرى مواقع الشر فيتّبعها، ولا يجتنب عنها.
وحاصل المعنى: أي لا أحد أظلم ممن وعظ بآيات الله، ودل بها على سبيل الرشاد، وهدي بها إلى طريق النجاة، فأعرض عنها، ولم يتدبّرها، ولم يتّعظ بها، ونسي ما عمله من الكفر والمعاصي، أي: لم يتفكر في عواقبه، ومن ثم لم يتب منها، ولم ينب إلى ربه.
ثم علل ذلك الإعراض والنسيان بقوله: {إِنَّا جَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً}؛ أي: أغطية جمع كنان، كأزمّة وزمام كراهية {أَنْ يَفْقَهُوهُ}؛ أي: أن يفقهوا ما ذكر من آيات الله تعالى، وتذكير الضمير وتوحيده باعتبار معنى القرآن، وهو تعليل لإعراضهم ونسيانهم بأنهم مطبوع على قلوبهم كراهة أن يقفوا على كنه الآيات، أو المعنى: جعلنا على قلوبهم أغطية مانعة من أن يفهموا القرآن فيتبعوه، وتلك الأغطية ما ران على قلوبهم بسبب كفرهم ومعاصيهم {وَ} جعلنا {فِي آذانِهِمْ وَقْرًا}؛ أي: ثقلًا وصممًا يمنعهم عن استماعه، وفيه: إشارة إلى أن أهل اللّغو والهذيان لا يصيخون إلى القرآن.
والمعنى: أي إن (¬2) ذلك الإعراض منهم بسبب أنّا جعلنا على قلوبهم أغطية
¬__________
(¬1) روح البيان.
(¬2) المراغي.

الصفحة 416