كتاب تفسير حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن (اسم الجزء: 17)
{فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا فِي الْبَحْرِ يَبَسًا}؛ أي: فأجعل لهم بالضرب بعصاك طريقًا في البحر يابسًا، ليس فيه وحل ولا نداوة، من قولهم: ضرب له في ماله سهمًا, أي: جعل له نصيبًا، أو فاتخذ واعمل لهم في البحر طريقًا يابسًا، من قولهم: ضرب اللبن: إذا عمله.
والطريق (¬1): كل ما يطرقه طارق، معتادًا كان أو غير معتاد، قال الراغب: الطريق: السبيل الذي يطرق بالأرجل ويضرب، والبحر: كل مكان واسع جامع للماء الكثير، والمراد هنا: بحر القلزم، قال في "القاموس": القلزم: هو بلد بين مصر ومكة، قرب جبل الطور، وإليه يضاف بحر القلزم؛ لأنه على طرفه، أو لأنه يبتلع من ركبه؛ لأن القلزمة: الابتلاع، ومعنى {يبسًا}: يابسًا، وصف به الفاعل للمبالغة، وذلك أن الله تعالى، أيبس لهم تلك الطريق، حتى لم يكن فيها ماء ولا طين، واليبس: المكان الذي كان فيه ماء فذهب.
وقرأ الحسن وأبو المتوكل والنخعي (¬2): {يَبَسًا} بسكون الباء، على أنه مخفف من يبسًا المحرك، أو جمع يابس كصاحب وصحب، وصف به الواحد تأكيدًا، وقرأ أبو حيوة، والشعبي، وأبو رجاء، وابن السميقع {يابسًا} بألف اسم فاعل، قال أبو عبيدة: اليبس محرك الحروف، بمعنى اليابس، يقال: شاة يبس, أي: يابسة ليس لهم لبن، وقال ابن قتيبة: يقال لليابس: يَبَسٌ ويَبْسٌ.
وقوله: {لَا تَخَافُ دَرَكًا} حال مقدرة من المأمور؛ أي: من موسى، والدرك: محركةً اسم من الإدراك، كالدرك بالسكون، والدرك: اللحاق بهم من فرعون وجنوده, والمعنى: فاجعل لهم طريقًا في البحر يبسًا، حالة كونك آمنًا لا تخاف من أن يدرككم العدو {وَلَا تَخْشَى} الغرق.
وقرأ الجمهور (¬3): {لَا تَخَافُ} بالألف والرفع، وهي أرجح، لعدم الجزم في {تخشى}، ويجوز أن تكون هذه الجملة على قراءة الجمهور صفةً أخرى
¬__________
(¬1) روح البيان.
(¬2) البحر المحيط وزاد المسير.
(¬3) البحر المحيط.