كتاب تفسير حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن (اسم الجزء: 17)
98 - {قَالَ} ذو القرنين {هَذَا} السد {رَحْمَةٌ} عظيمةٌ ونعمةٌ جسيمةٌ {مِنْ رَبِّي} على كافة الخلق، لا سيما على مجاهديه، وفيه (¬1) إيذان بأنه ليس من قبيل الآثار الحاصلة بمباشرة الخلق عادةً، بل هو إحسان إلهي محض وإن ظهر بمباشرتي.
وقال ابن عطية (¬2): والإشارة بهذا إلى الردم والقوة عليه والانتفاع به، وقال الزمخشري: إشارة إلى السد؛ أي: هذا السد نعمةٌ عظيمةٌ من الله تعالى، ورحمة منه على عباده، أو هذا الإقدار والتمكين من تسويته، قيل: وفي الكلام حذف تقديره، فلما أكمل بناء السد، وامشوى واستحكم .. قال: {هَذَا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي} وقرأ ابن أبي عبلة {هذه رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي} بتأنيث اسم الإشارة.
{فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي}، أي (¬3): وقت وعده بخروج يأجوج ومأجوج، وقيل: مصدر بمعنى اسم المفعول؛ أي: موعود ربي وهو يوم القيامة، والمراد بمجيئه مجيء أشراطه وأماراته، من خروج يأجوج ومأجوج، وخروج الدجال، ونزول عيسى عليه السلام. ونحو ذلك من أشراط يوم القيامة.
{جَعَلَهُ}؛ أي: جعل هذا السد المشار إليه بما تقدم مع متانته {دَكَّاءَ}؛ أي: أرضًا مستويةً، والظاهر (¬4) أن جعله بمعنى صيَّره، فدكًا: مفعول ثان، وقال الزمخشري: فإذا دنا (¬5) مجيء يوم القيامة، وشارف أن يأتي .. جعل السد دكًا؛ أي: مدكوكًا منبسطًا مستويًا بالأرض، وكل ما انبسط بعد ارتفاع .. فقد اندك. انتهى. وفيه بيان لعظمة قدرته تعالى بعد بيان سعة رحمته.
وقرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، وابن عامر (¬6): {دَكَّاً} منونًا غير مهموز ولا ممدود، مصدر دككته، وقرأ عاصم، وحمزة، والكسائي {دَكَّاءَ} ممدودةً مهموزةً بلا تنوين.
والمعنى: أي (¬7) فإذا دنا وقت خروجهم من وراء السد .. جعل ربي ذلك
¬__________
(¬1) روح البيان.
(¬2) روح البيان.
(¬3) البيضاوي.
(¬4) البحر المحيط.
(¬5) الكشاف.
(¬6) زاد المسير.
(¬7) المراغي