كتاب تفسير حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن (اسم الجزء: 18)

الموجود في غيره، وقد يكون باختياره وبحكمه، وإن لم يتعرّ من ذلك الشوب، الذي تعرى منه الأول، اهـ. "روح البيان".
{وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ} الجهاد والمجاهدة: استفراغ الوسع في مدافعة العدو، وهو ثلاثة أضرب، مجاهدة العدو الظاهر كالكفار، مجاهدة الشيطان، مجاهدة النفس والهوى وهذه أعظمها.
{مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ} قال الراغب: الملة كالدين، وهو اسم لما شرع الله لعباده على لسان الأنبياء، ليتوصلوا به إلى جوار الله تعالى، والفرق بينها وبين الدين، أن الملة لا تضاف إلا إلى النبي، الذي تسند إليه، نحو اتبعوا ملة إبراهيم، واتبعت ملة آبائي. ولا يكاد يوجد مضافًا إلى الله تعالى، ولا إلى آحاد أمة النبي، ولا يستعمل إلا في جملة الشرائع دون آحادها، ولا يقال: ملة الله، ولا ملتي وملة زيد، كما يقال: دين الله وأصل الملة من مللت الكتاب، ويقال الملة اعتبارًا بالنبي الذي شرعها، والدين يقال: اعتبارًا بمن يقيمه إذا كان معناه الطاعة، هذا كله في مفردات الراغب. قال ابن عطاء ملة إبراهيم هو السخاء، والبذل وحسن الأخلاق والخروج عن النفس، والأهل والمال والولد.
{لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} والفلاح: الظفر، وإدراك البغية وذلك ضربان: دنيويٌّ وأخرويٌّ، فالدنيويُّ: الظفر بالسعادات التي يطيب بها حياة الدنيا وهو البقاء، والغنى، والعز. والعلم، والأخروي أربعة أشياء: بقاء بلا فناء، وغنى بلا فقر، وعز بلا ذل، وعلم بلا جهل، ولذلك قيل: لا عيش إلا عيش الآخرة.
و {اجْتَبَاكُمْ}؛ أي: اختاركم. {حَرَجٍ}؛ أي: ضيق بتكليفكم ما يشق عليكم. {وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ}؛ أي: استعينوا به وتوكلوا عله. {مَوْلَاكُمْ} ناصركم.
البلاغة
وقد تضمنت هذه الآيات ضروبًا من البلاغة، وأنواعًا من الفصاحة والبيان والبديع:
فمنها: المشاكلة والإزدواج في قوله: {ذَلِكَ وَمَنْ عَاقَبَ} الخ. حيث سمى

الصفحة 445