كتاب تفسير حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن (اسم الجزء: 18)

والثالث: أنه فتق من الأرض ست أرضين، فصارت سبعًا، ومن السماء ست سموات، فصارت سبعًا، رواه السدي عن أشياخه وابن أبي نجيح عن مجاهد انتهت.
واعلم: أنه سبحان وتعالى ذكر أدلة ستة تثبت وجود الخالق الواحد القادر لو تدبّرها المنصفون، وعقلها الجاحدون لم يجدوا مجالًا للإنكار، ولا سبيلًا إلى الجحد:
الأول: ما ذكره بقوله: {أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ ...} إلخ. وقرأ ابن كثير، وحميدٍ، وابن محيصن (¬1): {ألم ير} بغير {واو} العطف بين الهمزة ولم. والجمهور {أَوَلَمْ يَرَ} {بالواو}، وقرأ الجمهور {رَتْقًا} بسكون التاء، وهو مصدر يوصف به كزور وعدل، فوقع خبرًا للمثنى. وقرأ الحسن، وزيد بن علي، وأبو حيوة، وعيسى {رَتْقًا} بفتح التاء، وهو اسم بمعنى المرتوق كالقبض والنقضى، فكان قياسه أن يثنى ليطابق الخبر الاسم. ذكره في "البحر".
والثاني: ما ذكره بقوله: {وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ}؛ أي: وخلقنا من الماء كل شيء متصفٍ بالحياة؛ أي: أحيب، بالماء الذي ننزله من السماء كل شيء، فيشمل الحيوان والنبات، والمعنى: أن الماء سبب حياة كل شيء، ويدخل في الآية النبات والشجر لنمائهما بالماء (¬2)، والحياة قد تطلق على القوة النامية الموجودة في النبات، والحيوان، كما في "المفردات". ويدل على حياتهما قوله تعالى: {وَيُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا} كما في "الكبير". وقيل: المراد بالماء هنا النطفة، وبه قال أكثر المفسرين، وعرّف الماء باللام قصدًا إلى الجنس، أي: جعلنا مبدأ كل شيء حي من هذا الجنس؛ أي: جنس الماء، وهو النطفة كما في قوله تعالى: {وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مَاءٍ}؛ أي: كل فرد من أفراد الدواب من نطفه معينة، هي نطفة أبيه المختصة به، أو كل نوع من أنواع الدواب من نوع من أنواع المياه، وهو
¬__________
(¬1) البحر المحيط.
(¬2) روح البيان.

الصفحة 70