كتاب تفسير حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن (اسم الجزء: 19)
المؤمنون (¬1)؛ أي: ظفروا بمقصدهم، ونجوا من كل مكروه، قال تعالى: {فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ} والمؤمنون جمع مؤمن، وهو المصدق بالله ورسله وملائكته وكتبه واليوم الآخر والقدر خيره وشره وحلوه ومره.
وقرأ طلحة بن مصرق، وعمرو بن عبيد (¬2): {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ} بضم الهمزة وكسر اللام مبنيًا للمفعول، ومعناه: أدخلوا في الفلاح، فاحتمل أن يكون من فلح لازمًا، أو يكون أفلح، يأتي متعديًا ولازمًا، وقرأ طلحة: أيضًا بفتح الهمزة واللام وضم الحاء، قال عيسى بن عمر: سمعت طلحة بن مصرق يقرأ: {قَدْ أفلحوا الْمُؤْمِنُونَ} فقلت له: أتلحن. قال: نعم، كما لحن أصحابي، انتهى. يعني: أن مرجوعه في القراءة إلى ما روي، وليس بلحن؛ لأنه على لغة أكلوني البراغيث، قال الزمخشري: أو على الإبهام والتفسير، وقال ابن عطية: وهي قراءة مردودة، وفي كتاب ابن خالويه مكتوبًا بواو بعد الحاء، وفي "اللوامح": وحذفت واو الجمع بعد الحاء لالتقائهما في الدرج، وكانت الكتابة عليها محمولةً على الوصل، نحو: {وَيَمْحُ اللَّهُ الْبَاطِلَ} وقال الزمخشري: وعنه - أي عن طلحة - {قَدْ أَفْلَحَ} ضمة بغير واو اجتزاء بها عنها كقوله: ولو أن الأطباء كان حولي. انتهى.
وليس بجيد؛ لأن الواو في أفلح حذفت لالتقاء الساكنين، وهنا حذفت للضرورة، فليست مثلها.
والحاصل: أن الله سبحانه حكم بالفلاح لمن كان جامعًا لخصال سبع من خصال الخير:
الأول: الإيمان، وذكره بقوله: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1)}؛ أي: فاز وسعد المصدقون بالله، ورسله، واليوم الآخر.
2 - والثاني: الخشوع في الصلاة، وذكره بقوله: {الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ (2)}؛ أي: الذين هم مخبتون لله، متذللون له، مناقدون له، خائفون من عذابه، ملزمون
¬__________
(¬1) الصاوي.
(¬2) البحر المحيط.
الصفحة 14
527