كتاب تفسير حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن (اسم الجزء: 19)

أي: لما ائتمنوا عليه، من حقوق الخالق، كالصلاة والصوم والحجّ، وفعل المعروف، والنهي عن المنكر، وحقوق الخلق، كالودائع والصنائع، وأعراض الخلق، وعوراتهم {وَعَهْدِهِمْ} مرادف للأمانات {رَاعُونَ}؛ أي: حافظون، غير مضعون لها. اهـ "صاوي" وقرأ ابن كثير وأبو عمرو: في رواية {لأمانتهم} بالإفراد، وباقي السبعة بالجمع، ذكره في "البحر".
والمعنى (¬1): أي والذين إذا ائتمنوا لم يخونوا، بل يؤدون الأمانة لأهلها، وإذا عاهدوا أو عاقدوا أوفوا، بما عاهدوا عليه، إذ الخيانة وخلف العهد من صفات المنافقين، كما جاء في الحديث "آية المنافق ثلاث، إذا حدّث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا ائتمن خان" وقصارى ذلك، أنهم يؤدون ما ائتمنوا وعوهدوا عليه، من الرب، أو العبد، كالتكاليف الشرعية، والأموال المودعة، والعقود التي عاقدوا الناس عليها، والأمانة (¬2)، اسم لما يؤتمن عليه الإنسان، والعهد حفظ الشيء ومراعاته حالًا بعد حال، ويسمى الموثق الذي يلزم مراعاته عهدًا. فالأمانة ما يؤتمنون عليه، والعهد ما يعاهدون عليه، من جهة الله سبحانه، أو من جهة عباده، وقد جمع العهد والأمانة كل ما يتحمله الإنسان من أمر الدين، أو الدنيا، والأمانة أعم من العهد، فكل عهد أمانة ولا عكس. ذكره "الشوكاني" وقال محمد بن الفضل (¬3): جوارحك كلها أمانات عندك، أمرت في كل واحدة منها، بأمر، فأمانة العين، الغضّ عن المحارم، والنظر بالاعتبار، وأمانة السمع، صيانتها عن اللغو، والرفث، لاحضارها مجالس الذكر، وأمانة اللسان اجتناب الغيبة والبهتان، ومداومة الذكر، وأمانة الرجل، المشي إلى الطاعات والتباعد عن المعاصي، وأمانة الفم، أن لا يتناول به إلا حلالًا، وأمانة اليد، أن لا يمدها إلى الحرام، ولا يمسكها عن المعروف، وأمانة القلب، مراعاة الحق على دوام الأوقات، حتى لا يطالع سواه، ولا يشهد غيره، ولا يسكن إلا إليه، انتهى.
¬__________
(¬1) المراغي.
(¬2) روح البيان.
(¬3) روح البيان.

الصفحة 20