كتاب تفسير حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن (اسم الجزء: 19)

والخلاصة: سلت واستخرجت، وصفيت من كل تربة، والطين التراب والماء المختلط به.
وفي "التأويلات النجمية" (¬1) يشير إلى سلالة سلت، واستخرجت من جميع أنواع الأرض، طيبها وسبخها وسهلها وجبلها، باختلاف ألوانها وطبائعها المتفاوتة، ولهذا اختلفت ألوانهم وأخلاقهم؛ لأنه مودع في طبيعتهم ما هو من خواص الطين الذي اختص بخاصية منها نوع من الحيوان، من جنس البهائم والسباع والجوارح والحشرات المؤذيات الغالبة على كل واحد منها صفة من الصفات الذميمة والحميدة.
فأما الذميمة: فكالحرص في الفأرة والنملة، وكالشهوة في العصفور، وكالغضب في الفهد، والأسد، وكالكبر في النمر، وكالبخل في الكلب، وكالشره في الخنزير، وكالحقد في الحية، وغير ذلك من الصفات الذميمة، وأما الحميدة فكالشجاعة في الأسد والسخاوة في الديك، والقناعة في البوم، وكالحلم في الجمل، وكالتواضع في الهرة، وكالوفاء في الكلب، وكالبكور في الغراب، وكالهمة في البازي والسلحفاة، وغير ذلك من الصفات الحميدة، فقد جمعها كلها مع خواصها وطبائعها، ثم أودعها في طينة الإنسان، وهو آدم عليه السلام.
ويروي جماعة من المفسرين (¬2): أن المراد بالإنسان هنا, ولد آدم، وهم يقولون: إن النطف تتوالد من الدم الحادث من الأغذية، وهي إما حيوانية، وإما نباتية، والحيوانية تنتهي إلى نباتية، والنبات يتوالد من صفو الأرض والماء، فالإنسان على الحقيقة، متوالد من سلالة من طين، ثم تواردت على تلك السلالة أطوار الخلقة، إلى أن صارت نطفًا.

13 - {ثُمَّ جَعَلْنَاهُ}؛ أي: ثم جعلنا نسله {نُطْفَةً}؛ أي: نطفًا في أصلاب الآباء، ثم قذفت إلى الأرحام، فصارت محفوظة {فِي قَرَارٍ مَكِينٍ}؛ أي: في حرز حصين من وقت العمل إلى حين الولادة؛ أي: ثم جعلنا السلالة منيًا أربعين يومًا، في
¬__________
(¬1) روح البيان.
(¬2) المراغي.

الصفحة 24