كتاب تفسير حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن (اسم الجزء: 19)
عقلًا، أو رتبةً بمنزلة التراخي، والبعد الحسّي؛ لأن حصول النطفة من أجزاء ترابية غريب جدًّا، وكذا جعل النطفة البيضاء دمًا أحمرًا، بخلاف جعل الدم لحمًا مشابهًا له في اللون، والصورة، وكذا تصلبها حتى تصير عظمًا؛ لأنه قد يحصل ذلك بالمكث، فيما يشاهد، وكذا مد لحم المضغة عليه؛ ليستره، فسقط ما قيل: إن الوارد في الحديث؛ إن مدة كل استحالة أربعون، وذلك يقتضي عطف الجمع بـ {ثم}، إن نظر لآخر المدة، وأولها، أو يقتضي العطف بالفاء إن نظر لآخرها فقط اهـ من "الشهاب"، مع تقديم وتأخير. وهذا في العواطف الخمسة الأولى، وأما قوله: {ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ}، فعطفه بـ {ثم} للتفاوت بين الخلقين، كما في "البيضاوي".
وقرأ الجمهور (¬1) {عِظَامًا} والعظام: بالجمع فيهما، وقرأ ابن عامر وأبو بكر عن عاصم وأبان والمفصل والحسن وقتادة وهارون والجعفي ويونس عن أبي عمرو وزيد بن علي بالإفراد فيهما، وقرأ السلمي وقتادة أيضًا، والأعرج والأعمش ومجاهد وابن محيصن بإفراد الأول، وجمع الثاني، وقرأ أبو رجاء إبراهيم بن أبي بكر ومجاهد أيضًا بجمع الأول وإفراد الثاني، فالإفراد يراد به الجنس.
{ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ}؛ أي: صيرنا ذلك المذكور من العظام وكسوته {خَلْقًا آخَرَ}؛ أي: خلقًا مباينًا للخلق الأول إذ نفخنا فيه الروح، وجعلناه حيوانًا بعدما كان أشبه بالجماد، ناطقًا سميعًا بصيرًا، وأودعنا فيه من الغرائب ظاهرها، وباطنها ما لا يحصى.
أي: حولنا العظام المستورة باللحم، عن صفاتها، إلى صفة لا يحيط بها شرح الشارحين، فإن الله جعلها حيوانًا ناطقًا سميعًا بصيرًا عاقلًا، وأودع كل جزء من أجزائه، عجائب وغرائب، لا يحيط بها وصف الواصفين، والإنشاء إيجاد الشيء، وتربيته، وأكثر ما يقال ذلك، في الحيوان، و {ثم} هنا لكمال التفاوت
¬__________
(¬1) البحر المحيط.
الصفحة 26
527