كتاب تفسير حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن (اسم الجزء: 19)

وقرأ زيد بن علي وابن أبي عبلة وابن محيصن (¬1): {لمائتون} بالألف، يريد حدوث الصفة، فيقال: أنت مائت عن قليل، وميت، ولا يقال: مائت، للذي قد مات، وقال الزمخشري: والفرق بين الميت والمائت، أن الميت، كالحي صفة ثابتةً، وأما المائت، فيدل على الحدوث، تقول: زيد مائت الآن، ومائت غدًا، كقولك: يموت، ومثله: ضيق وضائق، في قوله: {وَضَائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ} انتهى.

16 - {ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ}؛ أي: عند النفخة الثانية، {تُبْعَثُونَ}؛ أي: تخرجون من قبوركم للحساب، ثم المجازاة بالثواب، والعقاب، إذ يوفى كل عامل جراء عمله، إن خيرًا فخير، وإن شرًا فشرّ.
وخلاصة ما تقدم: أنه تعالى بعد أن ذكر أنه كلف عباده بما كلف، بيّن أن هذه التكاليف شكر من الإنسان لربه، الذي أنشأه النشأة الأولى، وقلبه في أطوار مختلفة، حتى أوصله إلى طور هو غاية كماله، فأصبح قادرًا على. تكليفه بتلك التكاليف، ولا بد له من طور يستحق فيه الجزاء، على ما كلف به، وهو طور البعث بعد الموت يوم القيامة.

17 - واللام في قوله: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا فَوْقَكُمْ} موطئة للقسم؛ أي: وعزتي وجلالي، خلقنا فوقكم يا أهل الأرض، {سَبْعَ طَرَائِقَ}؛ أي: سبع سماوات، وهي طرائق للكواكب وللملائكة، جمع طريقة، كما أن الطرق جمع طريق، والمراد طباق السماوات السبع سميت بالطرائق؟ لأنها طروق بعضها فوق بعض، مطارقة النعل، فإن كل شيء فوق مثله، فهو طريقه؛ أي: لكون بعضها موضوعًا فوق بعض، طاقًا فوق طاق، كمطارقة النعل.
{وَمَا كُنَّا عَنِ الْخَلْقِ}؛ أي: عن ذلك المخلوق، الذي هو السماوات، أو عن المخلوقات، سواء كانت هذه الطرائق أو غيرها {غَافِلِينَ} عن أمرها مهملين لها، بل نحفظها عن الزوال والاختلال، وندبر أمرها حتى تبلغ متتهى ما قدر لها، من الكمال، حسبما اقتضته الحكمة وتعلقت به المشيئة، إذ تسير الكواكب
¬__________
(¬1) البحر المحيط.

الصفحة 28