كتاب تفسير حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن (اسم الجزء: 19)
1 - {نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهَا} فتنتفعون بألبانها على ضروب شتى، فتتخذون منها الزبدة والسمن والجبن، والأقط ونحوها.
و (ما) (¬1) عبارة إما عن الألبان، فـ (من) تبعيضية، والمراد بالبطون الجوف، أو عن العلف، الذي يتكون منه اللبن، فـ (من) ابتدائية، والبطون على حقيقتها، وقرأ نافع وابن عامر وأبو بكر عن عاصم، {نسقيكم} بفتح النون، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وحمزة والكسائي وحفص عن عاصم: بضمها، وقرىء: بالتاء الفوقية، على أن الفاعل هو الأنعام، فإن قلت: لم قال هنا: {فِي بُطُونِهَا} بالتأنيث، وقال في سورة النحل: {فِي بُطُونِهِ} بالتذكير فما الفرق بين الموضعين؟
قلت: يفرق بينها، بأن ما في النحل يراد به الإناث فقط، والتقدير: وإن لكم في بعض الأنعام، وذلك البعض هو الإناث فأتى بالضمير مفردًا مذكرًا، وأما في المؤمنون فالمراد منه الكل الشامل للإناث والذكور، بدليل العطف في قوله: {وَلَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ} فإن هذا لا يخص الإناث وهذا العطف لم يذكر في النحل، اهـ "كرماني" وقال زكريا في "متشابه القرآن" ذكره هنا بلفظ الجمع؛ لأنه راجع للأنعام، مرادًا بها الجمع وفي النحل، قال: {مِمَّا فِي بُطُونِهِ} بالإفراد نظرًا إلى أن الأنعام اسم مفرد، انتهى.
والمعنى: أي تنتفعون بلبنها في الشرب وغيره، ووجه الاعتبار في اللبن، أنه يجتمع في الضرع ويتخلص من بين الفرث والدم بإذن الله تعالى، فيستحيل إلى طهارة ولون وطعم، موافق للشهوة، ويصير غذاءً، فهذا اللبن الذي يخرج من بطونها إلى ضرعها، تجده شرابًا طيبًا نافعًا للبدن، وإذا دبحتها لم تجد له أثرًا، فمن استدل بذلك على قدرة الله وحكمته، كان ذلك معدودًا من النعم الدينية، ومن انتفع به كان معدودًا من النعم الدنيوية.
2 - {وَلَكُمْ} أيها الناس {فِيهَا}؛ أي: في الأنعام {مَنَافِعُ كَثِيرَةٌ} غير ما ذكر، فتأخذون أصوافها وأشعارها وأوبارها وتتخذونها ملابس وفرشًا للدفء، وبيوتًا في الصحارى ونحوها مما يجري هذا المجرى، وتنتفعون بثمنها وأجرتها.
¬__________
(¬1) روح البيان.
الصفحة 33
527