كتاب تفسير حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن (اسم الجزء: 19)

3 - {وَمِنْهَا}؛ أي: ومن الأنعام بعد ذبحها {تَأْكُلُونَ} فكما انتفعتم بها، وهي حية تنتفعون بها بعد الذبح بالأكل.

4 - 22 {وَعَلَيْهَا}؛ أي: وعلى الأنعام؛ أي: بعضها وهي الإبل {وَعَلَى الْفُلْكِ}؛ أي: السفن {تُحْمَلُونَ}؛ أي: وتركبون ظهورها وتحملونها الأحمال الثقيلة إلى البلاد النائية، كما قال في آية أخرى {وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ} وقال: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ (71) وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ (72) وَلَهُمْ فِيهَا مَنَافِعُ وَمَشَارِبُ أَفَلَا يَشْكُرُونَ (73)}.
وقصارى ذلك (¬1): أن في خلق الأنعام عبرًا ونعمًا من وجوه شتى، ففيه دلائل على قدرة الخالق بخلق الألبان، من مصادر هي أبعدما تكون منها ونعمًا لنا في مرافقها وأعيانها فننتفع بألبانها، وأصوافها ولحمها، ونجعلها مطايا لنا في أسفارنا، إلى نحو أولئك من شتى المنافع، وإنما لم يقل (¬2): وفي الفلك، كقوله: {قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا}؛ لأن معنى الإبعاد ومعنى الاستعلاء، كلاهما مستقيم؛ لأن الفلك وعاء لمن يكون فيها حمولة له، يستعليها، فلما صح المعنيان، صحت العبارتان، وأيضًا هو يطابق قوله عليها، ويزاوجه كذا في "بحر العلوم".

23 - ولما ذكر سبحانه الفلك، أتبعه بذكر نوح؛ لأنه أول من صنعه وذكر ما صنعه قوم نوح معه، بسبب إهمالهم للتفكر في مخلوقات الله سبحانه، والتذكر لنعمه عليهم، فقال: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ} واللام فيه موطئة لقسم محذوف، وتصدير القصة به لإظهار كمال الاعتناء بمضمونها؛ أي: وعزتي وجلالي، لقد أرسلنا نوحًا إلى قومه، وهم جميعُ أهل الأرض.
وهذا (¬3) شروع في ذكر خمس قصص، غير قصة خلق آدم، فتكون معها ستًا:
¬__________
(¬1) المراغي.
(¬2) روح البيان.
(¬3) الفتوحات.

الصفحة 34