كتاب تفسير حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن (اسم الجزء: 19)

11 - ثم أضرب سبحانه عن توبيخهم بما حكاه عنهم، من الكلام الذي لا يصدر عن العقلاء، فقال: {بَلْ كَذَّبُوا بِالسَّاعَةِ}؛ أي (¬1): بالقيامة والحشر والنشر. والساعة جزء من أجزاء الزمان، ويعبر بها عن القيامة تشبيهًا بذلك، لسرعة حسابه. كما قال: {وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ} أو لما نبه عليه قوله تعالى: {كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ} كما في "المفردات" وهو إضراب عن توبيخهم، بحكاية جنايتهم السابقة، وانتقال منه.
والمعنى: أي (¬2) ما أنكر هؤلاء المشركون ما جئتهم به من الحق، وتقولوا عليك ما تقولوا، إلا من قبل أنهم لا يوقنون بالبعث، ولا يصدقون بالثواب والعقاب.
والخلاصة: أنهم أتوا بأعجب من هذا كله، وهو تكذيبهم بالساعة، ومن ثم فهم لا ينتفعون بالدلائل, ولا يتأملون فيها. ثم توعدهم وبين عاقبة أمرهم وما كتب لمثلهم من الخيبة والخذلان. فقال: {وَأَعْتَدْنَا}؛ أي: هيأنا وأحضرنا. وأصله أعددنا {لِمَنْ كَذَّبَ بِالسَّاعَةِ}؛ أي: بالبعث والحشر والنشر والحساب والجزاء. وضع (¬3) الظاهر موضع ضميرها للمبالغة في التشنيع.

{سَعِيرًا}؛ أي: نارًا عظيمة شديدة الاشتعال تسعر وتتقد عليهم. قال بعضهم: سعير الآخرة، إنما سعرت من سعير الدنيا وهي حرص العبد على الدنيا، وملاذها

12 - {إِذَا رَأَتْهُمْ} صفة للسعير؛ أي: إذا (¬4) كانت تلك السعير بمرأىً منهم، وقابلتهم بحيث صاروا بإزائها، كقولهم داري تنظر دارك؛ أي: تقابلها، فأطلق الملزوم، وهو الرؤية وأريد اللازم، وهو كون الشيء بحيث يرى، والانتقال من الملزوم إلى اللازم مجاز.
والمعنى: إذا قابلتهم تلك السعير، أو المعنى: إذا رأتهم رؤية حقيقية بعينها، كما جاء في حديث: "أن لها عينين" ولا مانع منه. اهـ. "شيخنا".
¬__________
(¬1) روح البيان.
(¬2) المراغي.
(¬3) روح البيان.
(¬4) روح البيان.

الصفحة 489