كتاب تفسير حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن (اسم الجزء: 22)

الدار، وخلق فيها من عجائب الصنع، وغرائب التكوين، ما هو عبرة للمعتبرين، قادر على أن يخلقكم بعد موتكم، وينشركم من قبوركم.
{وَ} من آياته وقدرته {اخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ} ولغاتكم اختلافًا لا حد له، من عربية، وفارسية، وفرنسية، وانجليزية، وهندية، وصينية، وتركية، ورومية، وأورمية، إلى نحو ذلك، مما لا يعلم حصره إلا خالق اللغات، فمن اطلع على لغات رأى من اختلاف تراكيبها أو قوانينها مع اتحاد المدلول، عجائب وغرائب في المفردات والمركبات.
وعن وهب (¬1): إن الألسنة اثنان وسبعون لسانًا، منها في ولد حامٍ سبعة عشر، وفي ولد سامٍ تسعة عشر، وفي ولد يافثٍ ستة وثلاثون.
وهذا من قديم الزمان، وأما الآن فقد صارت تعد بالمئات، وقيل: المراد باللغات الأصوات والنغم، قال الراغب: اختلاف الألسنة، إشارة إلى اختلاف اللغات، واختلاف النغمات، فإن لكل لسان نغمةً يميزها السمع، كما أن له صورة مخصوصةً يميزها البصر، انتهى. فلا تكاد تسمع منطقين متساويين في الكيفية من كل وجهٍ، متفقين في همسٍ واحدٍ، ولا جهارةٍ واحدةٍ، ولا رخاوةٍ ولا فصاحةٍ، ولا لكنةٍ، ولا نظمٍ، ولا أسلوبٍ، ولا غير ذلك من صفات النطق وأحواله، قاله الزمخشري.
{وَ} من آياته اختلاف {أَلْوَانِكُمْ} وأشكالكم من البياض والسواد والحمرة، والصفرة والزرقة والخضرة والأدمة مع كونكم أولاد رجل واحد وأم واحدة، ويجمعكم نوع واحد، وهو الإنسانية، وفصل واحد، وهو الناطقية، حتى صرتم متميزين في ذات بينكم، لا يلتبس هذا بهذا، بل في كل فرد من أفرادكم ما يميزه عن غيره من الأفراد، ولولا ذلك الاختلاف.، لوقع الالتباس، وتعطلت مصالح كثيرة من المعاملات وغيرها، وفي هذا من بديع القدرة، وعجيب الحكمة، ما لا يعاقله إلا العالمون، ولا يفهمه إلا المتفكرون.
¬__________
(¬1) البحر المحيط.

الصفحة 104