كتاب تفسير حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن (اسم الجزء: 22)

{وَالنَّهَارِ} أيضًا على حسب الحاجة {وَابْتِغَاؤُكُمْ}؛ أي: وطلبكم معاشكم فيهما، {مِنْ فَضْلِهِ}؛ أي: من رزقه، فإن كلًّا من المنام، وطلب القوت، يقع في الليل والنهار، وإن كان الأغلب وقوع المنام في الليل، والطلب في النهار.
والمعنى عليه: ومن آياته العظيمة: أنكم تنامون في الليل، وتنامون بالنهار في بعض الأحوال للاستراحة، كوقت القيلولة، وخصوصًا من كان مشتغلًا في حوائجه في الليل، وابتغاؤكم من فضله فيهما؛ لأن بعض الناس قد يبتغي الفعل في الليل، كالمسافرين والحراس في الليل وغيرهم، وهذا المعنى هو المناسب للنظم القرآني هاهنا، وقيل: في الكلام تقديم وتأخير، والتقدير: أي ومن أياته منامكم بالليل، وابتغاؤكم من فضله في النهار، وهذا المعنى هو المناسب لسائر الآيات الواردة في هذا المعنى.
قال الزمخشري: والظاهر هو الأول، لتكرره في القرآن، وأسد المعاني ما دل عليه القرآن. انتهى.
وجعلهما (¬1) من جملة الأدلة على البعث، أن النوم شبيه بالموت، والتصرف في الحاجات، والسعي في المكاسب شبيه بالحياة بعد الموت.
وقدم (¬2) الليل على النهار؛ لأن الليل لخدمة المولى، والنهار لخدمة الخلق، ومعارج الأنبياء - عليهم السلام - كانت بالليل، ولذا قال الإِمام النيسابوري: الليل أفضل من النهار، وقال بعضهم: الليل محل السكون، وهو الأصل، والنهار محل الحركة، وهو الفرع، وقال بعض الكبار: لم يقل تعالى: وبالنهار، ليتحقق لنا أن يريد أننا في منام في حال يقظتنا المعتادة؛ أي: أنتم في منام ما دمتم في هذه الدار، يقظةً ومنامًا بالنسبة لما أمامكم، فهذا سبب عدم ذكر الباء في قوله: {وَالنَّهَارِ}، والاكتفاء بباء الليل. انتهى.
يعني لو قيل: وبالنهار .. كان لا يتعين فيه ذلك، لجواز أن يكون الجار والمجرور معمولًا لمحذوف معطوف على المبتدأ، تقديره: ويقظتكم بالنهار، ثم
¬__________
(¬1) الشوكاني.
(¬2) روح البيان.

الصفحة 106