كتاب تفسير حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن (اسم الجزء: 22)

عَلَيْهِ} وقدمت في قوله: {هُوَ عَلَىّ هيَنٌ}؟
قلت: هنالك قصد الاختصاص، وهو تجبره، فقيل: و {هُوَ عَلَىّ هَيّنٌ}، وإن كان مستصعبًا عندك أن يولد بين هرم وعاجز، وأما هنا: فلا معنى للاختصاص، كيف والأمر مبني على ما يعقلون، من أن الإعادة أسهل من الابتداء، فلو قدمت الصلة لتغير المعنى. انتهى.
{وَلَه} سبحانه وتعالى، لا لغيره {الْمَثَلُ الْأَعْلَى}؛ أي (¬1): الوصف الأعلى، العجيب الشأن، من القدرة العامة، والحكمة التامة، وسائر صفات الكمال، التي ليست لغيره تعالى ما يدانيها، فضلًا عما يساويها، فالمثل بمعنى الصفة، كما في قوله تعالى: {مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي} وقوله: {مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ}؛ أي: صفتها وصفتم، قاله الخليل، وقال مجاهد: المثل الأعلى: قول لا إله إلا الله، وبه قال قتادة، أراد به الوصف بالوحدانية، يعني له الصفة العليا، وهي: أنه لا إله إلا هو، ولا رب سواه: وقيل: المثل الأعلى: هو أنه ليس كمثله شيء، وقيل: هو أنه ما أراده كان بقول: كن.
وقوله: {فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} متعلق (¬2) بمضمون الجملة المتقدمة، على معنى أنه تعالى قد وصف بالمثل الأعلى، وعرف به فيهما على ألسنة الخلائق؛ أي: نطقًا، وألسنة الدلائل؛ أي: دلالةً، ويجوز أن يتعلق بمحذوف على أنه حال من {الْأَعْلَى}، أو من {الْمَثَلُ}، أو من الضمير في {الْأَعْلَى}.
{وَهُوَ} سبحانه وتعالى {الْعَزِيزُ} في ملكه القادر الذي لا يغالب، أو القادر الذي لا يعجز عن بدء ممكن ما، وإعادته {الْحَكِيمُ} في أقواله وأفعاله الذي يجري الأفعال على سنن الحكمة والمصلحة.
قال بعضهم (¬3): دلت الآية على أن السماوات والأرض مشحونة بشواهد وحدته، ودلائل قدرته تعالى، والعجب منك، أنك إذا دخلت بيت غني .. فتراه
¬__________
(¬1) روح البيان.
(¬2) الشوكاني.
(¬3) روح البيان.

الصفحة 133