كتاب تفسير حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن (اسم الجزء: 22)

والخلاصة: أنه تعالى يمتن على قريش بما أحلهم من حرمه الذي جعله للناس، سواءً العاكف فيه، والباد، ومن دخله كان آمنًا، فهم في أمنٍ عظيم، والأعراب حولهم نهب مقسم، يقتل بعضهم بعضًا، ويسبي بعضهم بعضًا، ثم هم مع ذلك يكفرون به، ويعبدون معه سواه.
ونحو الآية قوله: {لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ (1) إِيلَافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ (2) فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ (3) الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ (4)}.
ثم بين سبحانه: أن العقل كان يقضي بشكرهم على هذه النعمة، لكنهم كفروا بها، وما جنحوا إلى مرضاة ربهم، فقال: {أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ}؛ أي: بعد ظهور الحق الذي لا ريب فيه بالباطل، وهو الصنم أو الشيطان، يؤمنون دون الحق، وتقديم الصلة (¬1): لإظهار شناعة ما فعلوه.
وكذا في قوله: {وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ} المستوجبة للشكر {يَكْفُرُونَ} حيث يشركون به غيره.
وعبارة "البيضاوي" هنا: وتقديم الصلتين للاهتمام، أو الاختصاص على طريق المبالغة، و {الهمزة} في قوله: {أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ} للاستفهام التوبيخي التقريعي، المضمن للإنكار، داخلة على محذوف، و {الفاء}: عاطفة على ذلك المحذوف، والتقدير: أيكذبون رسوله محمدًا - صلى الله عليه وسلم - فيؤمنون بالباطل، ويكفرون بنعمة الله.
وقرأ الجمهور: {يُؤْمِنُونَ} و {يَكْفُرُونَ} بالياء فيهما، وقرأ السلمي، والحسن: بتاء الخطاب فيهما، ذكره في "البحر".
والمعنى: أي (¬2) أفكان شكرهم على هذه النعمة العظيمة، أن أشركوا به، وعبدوا معه غيره من الأصنام والأنداد، وبدلوا نعمة الله كفرًا، وأحلوا قومهم دار البوار، فكفروا بنبي الله وعبده ورسوله.
¬__________
(¬1) روح البيان.
(¬2) المراغي.

الصفحة 46