كتاب تفسير حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن (اسم الجزء: 22)

والمعنى: أي (¬1) غلبت فارس الروم في أقرب أرض الروم بالنسبة إلى أرض العرب، إذ الوقعة كانت بين الأردن وفلسطين، والروم من بعد غلب فارس إياهم سيغلبون فارس في بضع سنين، وقد تحقق ذلك فغلبوهم بعد سبع من الواقعة الأولى، ولا شك أن وقوعه على نحو ما قال الكتاب الكريم، يعد من أكبر الدلائل على إعجازه، وأنه كلام الله، العلم بكل شيء لا كلام البشر، وهذا المعنى على القراءة المشهورة، وقرأ علي (¬2)، وأبو سعيد الخدري، وابن عباس، وابن عمر، ومعاوية بن قرة، والحسن: {غلبت} مبنيًا للفاعل {سيغلبون} مبنيًا للمفعول، ويجوز على هذه القراءة، أن يكون {غلبت} مبنيًا للفاعل على أن الضمير فيه لفارس، والروم بالنصب مفعوله؛ أي: غلبت فارس الروم. {وَهُمْ}؛ أي: فارس {مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ} للروم {سَيَغْلِبُونَ} بالبناء للمفعول؛ أي: يكونون مغلوبين في أيدي الروم، ويجوز أن يكون {الرُّومُ} فاعل {غُلِبَتِ} على البناء للفاعل؛ أي: غلبت الروم أهل فارس، وهم؛ أي: الروم بعد غلبهم لفارس {سَيَغْلِبُونَ} بالبناء للمجهول؛ أي: يكونون مغلوبين في أيدي المسلمين، فكان ذلك في زمن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -.
وقرأ الجمهور: {غُلِبَتِ الرُّومُ (2)} مبنيًا للمفعول، {سَيَغْلِبُونَ} بالبناء للفاعل، وهي القراءة المشهورة التي جرينا عليها في تفسيرنا، وقرأ الجمهور: {غَلَبِهِمْ} بفتح الغين واللام، وقرأ علي، وابن عمر، ومعاوية بن قرة، وأبو حيوة الشامي، وابن السميفع: بإسكان اللام.
{لِلَّهِ} سبحانه وتعالى لا لغيره {الْأَمْرُ} والقضاء والتصرف {مِنْ قَبْلُ}؛ أي: من قبل غلبة الروم على فارس، وهو وقت كونهم مغلوبين {وَمِنْ بَعْدُ}؛ أي: ومن بعد غلبة الروم على فارس، وهو وقت كونهم غالبين. والمعنى (¬3): أن كلا من كونهم مغلوبين أولًا، وغالبين آخرًا، ليس إلا بأمر الله وقضائه، كما قال: {وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ} فمن غلب .. فهو بأمر الله وقضائه
¬__________
(¬1) المراغي.
(¬2) البحر المحيط.
(¬3) روح البيان.

الصفحة 82