كتاب تفسير حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن (اسم الجزء: 24)
2 - وقوله: {إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ} شروع (¬1) في بيان شأن المنزل إليه، وما يجب عليه إثر بيان شأن المنزل، وكونه من عند الله تعالى، فلا تكرار في إظهار الكتاب في موضع الإضمار لتعظيمه، ومزيد الاعتناء بشأنه، والباء (¬2): إما متعلق بالإنزال؛ أي: بسبب الحق وإثباته وإظهاره، وإما بمحذوف هو حال من نون العظمة؛ أي: أنزلناه إليك حال كوننا محقين في ذلك، أو حال من الكتاب؛ أي: أنزلناه حال كونه ملتبسا بالحق والصواب؛ أي: كل ما فيه من إثبات التوحيد، والنبوة، والمعاد، وأنواع التكاليف حق، لا ريب فيه، موجب للعمل حتمًا.
وفي «التأويلات النجمية»: أي من الحق نزل، وبالحق نزل، وعلى الحق نزل. قال في «برهان القرآن»: كل موضع خاطب الله فيه النبي - صلى الله عليه وسلم - بقوله: {إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ} ففيه تكليف، وإذا خاطبه بقوله: {أَنْزَلْنا عَلَيْكَ} ففيه تخفيف، ألا ترى إلى ما في أول السورة {إِلَيْكَ} فكلفه الإخلاص في العبودية، وإلى ما في آخرها {عَلَيْكَ} فختم الآية بقوله: {وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ}؛ أي: لست بمسؤول عنهم، فخفف عنه ذلك، انتهى.
والمعنى (¬3): أي هذا الكتاب العظيم، منزل من عنده تعالى، فهو الحق الذي لا مرية فيه، كما جاء في آية أخرى: {وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعالَمِينَ (192) نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (193) عَلى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ (194) بِلِسانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ (195)}، وبعد أن بيّن شأن المنزل، وأنه من عند الله تعالى، ذكر ما اشتمل عليه ذلك المنزل، من الحق والعدل، فقال: {إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ}؛ أي: إنا أنزلنا إليك القرآن أيها الرسول، آمرا بالحق، والعدل الواجب اتباعهما، والعمل بهما.
ثم أمر رسوله بعبادته، والإخلاص له. فقال: {فَاعْبُدِ اللَّهَ} حال كونك {مُخْلِصًا لَهُ} سبحانه {الدِّينَ} والعمل والطاعة؛ أي: فاعبده تعالى، ممحضًا له
¬__________
(¬1) روح البيان.
(¬2) روح البيان.
(¬3) المراغي.