كتاب تفسير حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن (اسم الجزء: 24)

الأشياء التي تضمحل وتبطل على مرور الأيام، وإنما تدرس الأوراق، كما روي أن عثمان رضي الله عنه حرق مصحفين لكثرة قراءته فيهما. ويصح أن يقال للقرآن: مثاني لما يثنى ويتجدد حالًا فحالًا من فوائده، كما جاء في نعته، ولا تنقضي عجائبه، ويجوز أن يكون ذلك من الثناء، تنبيهًا على أنه أبدًا يظهر منه، ما يدعو إلى الثناء عليه، وعلى من يتلوه ويعلمه، ويعمل به، وعلى هذا الوجه وصفه بالكرم في قوله: {إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ (77)}، وبالمجد في قوله: {بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ (21)}. قال ابن بحر: لما كان القرآن مخالفًا لنظم البشر، ونثرهم حول أسماءه، بخلاف ما سموا به كلامهم على الجملة والتفصيل، فسمى جملته قرآنًا، كما سموا ديوانًا، وكما قالوا: قصيدةٌ وخطبةٌ ورسالةٌ، قال: سورة، وكما قالوا: بيت قال: آية، وكما سميت الأبيات لاتفاق أواخرها قوافي سمى الله القرآن لاتفاق خواتيم الآي فيه مثاني.
{تَقْشَعِرُّ مِنْهُ}؛ أي: تضطرب، وتتحرك، وتشمئز. يقال: اقشعر جلده: أخذته قشعريرة؛ أي: رعدة، كما في «القاموس»، والجلد: قشر البدن، كما في «المفردات»، ويقال: اقشعر جلده إذا تقبّض، وتجمع من الخوف، ووقف شعره كما مر، والمصدر: الاقشعرار، والقشعريرة أيضًا، ووزن اقشعر افعلل، ووزن القشعريرة: فَعْلَليلة، اهـ «سمين».
{أَفَمَنْ يَتَّقِي بِوَجْهِهِ} يقال: اتقى فلان بكذا، إذا جعله وقايةً لنفسه، والتركيب يدل على دفع شيء عن شيء يضره. {غَيْرَ ذِي عِوَجٍ} تقدم معنى العوج في الكهف، وأن العوج بالكسر مختص بالمعاني دون الأعيان، والسر فيه فارجع إليه هناك، وقيل: المراد بالعوج: الشك، واللبس. قال:
وَقَدْ أَتَاكَ يَقِيْنٌ غَيْرُ ذِيْ عِوَجٍ ... مِنَ الإِلَهِ وَقَوْلٌ غَيْرُ مَكْذُوْبِ
{مُتَشاكِسُونَ}؛ أي: متنازعون مختلفون. قال الزمخشري: التشاكس، والتشاخس: الاختلاف. تقول: تشاكست أحواله، وتشاخست أسبابه، وفي «المختار»: رجل شكس بوزن فلس؛ أي: صعب الخلق، وقوم شُكس بوزن قفل، وبابه: سلم. وحكى الفراء: رجل شكس بكسر الكاف، وهو القياسُ. وفي

الصفحة 558