كتاب تفسير حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن (اسم الجزء: 25)
الجحود والإنكار وأهل الاعتراض، كما كانوا في عهد كل نبي ورسول، وقال قتادة والسدي: ليقتلوه، والأخذ قد يرد بمعنى الإهلاك، كقوله تعالى: {ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ} والعرب تسمي الأسير الأخيذ.
وقرأ الجمهور: {بِرَسُولِهِمْ}، وقرأ عبد الله: {برسولها}، عاد الضمير إلى لفظ أمة.
والمعنى: أي وحرصت كل أمة على تعذيب رسولهم بحبسه وإصابة ما أرادوا منه {وَجَادَلُوا}؛ أي: وخاصموا رسولهم {بِالْبَاطِلِ} من القول الذي لا أصل ولا حقيقة له أصلًا. قال في "فتح الرحمن": الباطل: ما كان فائت المعنى من كل وجه، مع وجود الصورة، إما لانعدام الأهلية، أو لانعدام المحلية، كبيع الخمر وبيع الصبي، انتهى. {لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ}؛ أي: ليزيلوا بذلك الباطل، الحق الذي لا محيد عنه، كما فعل هؤلاء المشركون من قومك؛ أي: وخاصموا رسولهم بالباطل، بإيراد الشبه التي لا حقيقة لها، كقولهم: {مَا أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا} ليبطلوا به الحق الذي جاء به من عند الله تعالى، وليطفئوا النور الذي أوتيه.
قال يحيى بن سلام: جادلوا الأنبياء بالشرك؛ ليبطلوا الإيمان {فَأَخَذْتُهُمْ} بالإهلاك جزاء لهمّهم بالأخذ {فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ}؛ أي: عقابي الذي عاقبتهم به، فإن آثار دمارهم ترونها حين تمرون على ديارهم عبرة للناظرين، ولآخذنّ هؤلاء أيضًا لاتحادهم في الطريقة، واشتراكهم في الجريمة.
والاستفهام فيه (¬1) استفهام تعجيب من استئصالهم، واستعظام لما حل بهم، وليس استفهامًا عن كيفية عقابهم، واجتزأ بالكسر عن ياء الإضافة؛ لأنها فاصلة، والأصل: عقابي.
والمعنى (¬2): فأهلكتهم واستأصلت شأفتهم، فلم أبق منهم ديارًا ولا نافخ نار، وصاروا كأمس الدابر، وإنكم لتمرون على ديارهم مصبحين وممسين، كما قال: {وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ (137) وَبِاللَّيْلِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (138)}
6 - وهكذا سأفعل بقومك إن هم أصروا على الكفر والجدل في آيات الله، وإلى ذلك أشار بقوله: {وَكَذَلِكَ حَقَّتْ
¬__________
(¬1) البحر المحيط.
(¬2) المراغي.