كتاب تفسير حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن (اسم الجزء: 26)
فَاعْصِ هَوَىَ النَّفْسِ وَلَا تُرْضِهَا ... إِنَّكَ إِنْ اسْخَطْتَهَا زَانَكَا
حَتَّى مَتَى تَطْلُبُ مَرْضَاتَهَا ... وَإِنَّمَا تَطْلُبُ عُدْوَانَكَا
وقال ابن عباس: ما ذكر الله سبحانه هوى في القرآن إلا ذمه، قال تعالى: {وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ}، وقال: {وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا}، وقال: {وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ}، وروى عبد الله بن عمرو بن العاص، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فيما ذكره النووي في كتاب "الحجة" للمقدسي: "لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعًا لما جئت به". وقال أبو أمامة سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: "ما عبد تحت السماء إله أبغض إلى الله من الهوى".
وروى شداد بن أوس عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت، والفاجر من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله". أخرجه أحمد والترمذي وابن ماجه، والحاكم. وعنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "إذا رأيت شحًا مطاعًا وهوى متبعًا ودنيا مؤثرةً، وإعجاب كل ذي رأي برأيه، فعليك بخاصة نفسك، ودع عنك أمر العامة". أخرجه الترمذي عن أبي ثعلبة الخشني. وعنه أنه قال: "ثلاث مهلكات، وثلاث منجيات، فالمهلكات: شح مطاع، وهوى متبع وإعجاب المرء بنفسه، والمنجيات: خشية الله في السر والعلن، والقصد في الغنى والفقر، والعدل في الرضا والغضب". أخرجه الطبراني في "الأوسط" عن ابن عمر وهو ضعيف، وحسبك ذمًا لاتباع الهوى، قوله تعالى: {وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى (40) فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى (41)}.
وقيل: معنى {أرأيت} أخبرني عن حال من اتخذ هواه إلهًا، فيتعدى (¬1) إلى مفعولين، الأول: هو من اتخذ، والثاني: محذوف تقديره: مهتديًا يدل عليه قوله: فمن يهديه من بعد الله؛ أي: لا أحد يهديه من بعد إضلال الله إياه، وفيه حينئذ تجوزان (¬2)، إطلاق الرؤية، وإرادة الإخبار على طريق إطلاق اسم السبب وإرادة المسبب؛ لأن الرؤية سبب للإخبار، وجعل الاستفهام بمعنى الأمر بجامع
¬__________
(¬1) البحر المحيط.
(¬2) الفتوحات.