كتاب تفسير حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن (اسم الجزء: 26)
فيه أعمالكم.
{يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ}؛ أي: يشهد عليكم {بِالْحَقِّ} والصدق من غير زيادة، ولا نقص، والجملة خبر آخر لهذا، و {بِالْحَقِّ} حال من فاعل {يَنْطِقُ} فهو صورة تطابق ما فعلتموه حذو القذة بالقذة، وقوله: {إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ} إلخ، تعليل لنطقه عليهم بأعمالهم من غير إخلال بشيء منها؛ أي: إنا كنا نأمر الحفظة بنسخ {مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} في الدنيا، وكتابته في صحائف أعمالكم، وإثباتها عليكم حسنة كانت أو سيئة، صغيرة كانت أو كبيرة، أول فأول، فهي وفق ما عملتم بالدقة والضبط؛ لأن السين للطلب، وفي هذا (¬1) إجابة عما يخطر بالبال من سؤال فيقال: ومن يحفظ أعمالنا على كثرتها مع طول المدة، وبعد العهد، فأجيبوا بهذا الجواب.
قال الواحدي (¬2): وأكثر المفسرين، على أن هذا الاستنساخ من اللوح المحفوظ، فإن الملائكة تكتب منه كل عام ما يكون من أعمال بني آدم، فيجدون ذلك موافقًا لما يعملونه قالوا: لأن الاستنساخ لا يكون إلا من أصل. وقيل: المعنى نأمر الملائكة بنسخ ما كنتم تعملون، وقيل: إن الملائكة تكتب كل يوم ما يعمله العبد، فإذا رجعوا إلى مكانهم نسخوا منه الحسنات والسيئات، وتركوا المباحات، وقيل: إن الملائكة إذا رفعت أعمال العباد إلى الله سبحانه، أمر - عز وجل - أن يثبت عنده منها ما فيه ثواب وعقاب، وسقط منها ما لا ثواب فيه ولا عقاب.
30 - ثم فصل حال الفريقين فقال: {فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا} من الأمم، وصدقوا بالله وكتبه ورسله واليوم الآخر {وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ}؛ أي: وعملوا الأعمال الصالحة، وهي الخالصة الموافقة للشرع {فَيُدْخِلُهُمْ رَبُّهُمْ فِي} محل {رَحْمَتِهِ} وهو الجنة؛ أي: فأما الذين آمنت قلوبهم، وعملت جوارحهم صالح الأعمال التي أمر بها الدين، فيكافئهم ربهم على ما عملوا، ويدخلهم جنات النعيم، وقد جاء في الحديث الصحيح: "أن الله تعالى قال للجنة: أنت رحمتي أرحم بك من أشاء"
¬__________
(¬1) المراغي.
(¬2) الشوكاني.