كتاب تفسير حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن (اسم الجزء: 26)

الميزان آلة العدل، أو أنزل آلة الوزن، والوزن معرفة قدر الشيء، فيكون المراد بالميزان معناه الأصلي وإنزاله إما حقيقة لما رُويَ أن جبرائيل عليه السلام نزل بالميزان, فدفعه إلى نوح عليه السلام، فقال له: مر قومك يزنوا به، وقيل: نزل آدم عليه السلام، بجميع آلات الصنائع، وإما مجاز عن إنزال الأمر به، واستعماله في الإيفاء والاستيفاء.
والمعنى (¬1): الله أنزل كتبه على أنبيائه حاوية للحق، الذي لا شبهة فيه، بعيدة من الباطل، الذي لا خير فيه، وأنزل العدل ليقضي بين الناس بالإنصاف، ويحكم بينهم بحكمه، الذي أمر به في كتابه، ونحو الآية قوله تعالى: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ}.
ثم رغب سبحانه وتعالى في الآخرة، وزهد في الدنيا، فقال: {وَمَا يُدْرِيكَ} ويعلمك يا محمد، بحال القيامة من (¬2) الإدراك بمعنى الإعلام؛ أي شيء يجعلك داريًا؛ أي: عالمًا بحال الساعة، التي هي من العظم والشدة والخفاء، بحيث لا تبلغها دراية أحد، وإنما يُدرى ذلك بوحي منا. قال الراغب: كل موضع ذكر في القرآن، وما أدراك فقد عقب ببيانه نحو: {وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ (10) نَارٌ حَامِيَةٌ (11)}، وكل موضِع ذكر فيه وما يدريك لم يعقبه بذلك، نحو: {وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ} {لَعَلَّ السَّاعَةَ} التي يخبر بمجيئها الكتاب الناطق بالحق {قَرِيبٌ}؛ أي: شيء قريب، أو قريب مجيئها، وإلا فالفعيل بمعنى الفاعل، لا يستوي فيه المذكر والمؤنث عند سيبويه، فكان الظاهر أن يقال: قريبة، لكونه مسندًا إلى ضمير الساعة، إلا أنه قد ذكر لكونه صفة جارية على غير من هي له، وقيل: القريب بمعنى ذات قرب، على معنى النسب، وإن كان على صورة اسم الفاعل، كلابنٍ وتامرَ بمعنى ذي لبن، وذي تمر؛ أي: لبني وتمريّ لا على معنى الحدث كالفعل، فلما لم يكن في معنى الفعل حقيقة لم يلحقه تاء التأنيث، أو الساعة بمعنى البعث، تسمية باسم ما حل فيه، وقال الزمخشري: لعل مجيء الساعة، قريب بتقدير المضاف.
¬__________
(¬1) المراغي.
(¬2) روح البيان.

الصفحة 70