كتاب تفسير حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن (اسم الجزء: 27)

الْخَالِيَةِ (24)}.

17 - ثم فصّل ما أحسنوا فيه، فقال: {كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ (17)}؛ أي: كانوا يهجعون من الليل هجوعًا قليلًا ما؛ أي: كانوا ينامون القليل من الليل، ويتهجّدون في معظمه، والهجوع (¬1): النوم بالليل دون النهار. و {مَا}، مزيدة لتأكيد معنى القلة، فإنها تزاد لإفادة التقليل كما في قولك: أكلت أكلًا ما، و {قَلِيلًا}: ظرف و {يَهْجَعُونَ}: خبر {كَانُوا}؛ أي: كانوا يهجعون في طائفة قليلة من الليل، أو صفة مصدر محذوف؛ أي: كانوا يهجعون هجوعًا قليلًا من أوقات الليل وساعاته؛ يعني: يذكرون، ويصلّون أكثر الليل، وينامون أقلّه، ولا يكونون مثل البطّالين الغافلين النائمين إلى الصباح، ويجوز (¬2) أن تكون {مَا} مصدرية، أو موصولة؛ أي: كانوا قليلًا من الليل هجوعهم، أو ما يهجعون فيه.
قال ابن عباس رضي الله عنهما: ما تأتي عليهم ليلة ينامون حتى يصبحوا إلا يصلّون فيها شيئًا، إما من أوّلها، أو من وسطها، وقال الحسن البصري: كابدوا قيام الليل، فلا ينامون من الليل إلا أقلّه، وربما نشطوا فجدوا إلى السحر، وعن أنس قال: كانوا يصلّون بين المغرب والعشاء.

18 - {وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (18)}؛ أي: يطلبون في أوقات السحر من الله سبحانه أن يغفر ذنوبهم، والسحر: السدس الأخير من الليل؛ لاشتباهه بالضياء كالسحر يشبه الحق وهو باطل؛ أي: هم مع قلّة هجوعهم، وكثرة تهجدهم يداومون على الاستغفار في الأسحار، كأنهم أسلفوا في ليلهم الجرائم وفي بناء (¬3) الفعل على الضمير المفيدة للتخصيص إشعار بأنهم الأحقاء بأن يوصفوا بالاستغفار، كأنهم المختصّون به لاستدامتهم له وإطنابهم فيه، وفي "بحر العلوم": تقديم الظرف للاهتمام به، ورعاية الفاصلة.
أي: فهم يحيون الليل متهجّدين، فإذا أسحروا .. أخذوا في الاستغفار،
¬__________
(¬1) روح البيان.
(¬2) الشوكاني.
(¬3) روح البيان.

الصفحة 513