كتاب تفسير حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن (اسم الجزء: 27)

{إِنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُخْتَلِفٍ (8)}؛ أي: متناقض مضطرب في شأن الله، فبينا تقولون: إنه خالق السموات تقولون بصحة عبادة الأوثان، معه، وفي شأن الرسول، فتارةً تقولون: إنه مجنون، وتارةً تقولون: إنه ساحر، وفي شأن الحشر، فتارةً تقولون: لا حشر ولا بعث، وأخرى تقولون: الأصنام شفعاؤنا عند الله يوم القيامة.
{يُؤْفَكُ عَنْهُ}؛ أي: يصرف عن القول المختلف؛ أي: بسببه. {مَنْ أُفِكَ}؛ أي: ومن صرف عن الإيمان, يقال: أفكه عنه يأفكه إفكًا صرفه وقلبه، أو قلب رأيه، كما في "القاموس". ورجل مأفوك؛ أي: مصروف عن الحق إلى الباطل، كما في "المفردات".
{قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ (10)}؛ أي: لعن الكذّابون، وهذا دعاء عليهم كقوله: {قُتِلَ الْإِنْسَانُ مَا أَكْفَرَهُ (17)}. وأصله: الدعاء بالقتل والهلاك، ثم جرى مجرى لعن وقبح، من الخرص، وهو تقدير القول بلا حقيقة، ومنه: خرص الثمار؛ أي: تقديرها مثلًا، بأن يقدر ما على النخل من الرطب تمرًا، وكل قول مقول عن ظنّ وتخمين يقال له: خرص، سواء كان ذلك مطابقًا للشيء أو مخالفًا له، من حيث إنّ صاحبه لم يقله عن علم ولا غلبة ظنّ ولا سماع، بل اعتمد فيه على الظنّ والتخمين، والخرص: الظن والحدس، يقال: كم خرص أرضك بكسر الخاء، وأصل الخرص: القطع، من قولهم: خرص فلانًا كلامًا، واخترصه: إذا قطعه من غير أصل.
{فِي غَمْرَةٍ} من غمره الماء يغمره: إذا غطاه، والمراد بها هنا: الجهل، قال الراغب: أصل الغمر: إزالة أثر الشيء، ومنه: قيل للماء الكثير الذي يزيل أثر سيله: غمر وغامر، وبه شبه الرجل السخي والفرس الشديد العدو، فقيل لهما: غمر كما شبها بالبحر، والغمرة: معظم الماء الساترة لمقرها، وجعلت مثلًا للجهالة التي تغمر صاحبها، وإلى نحوه أشار بقوله: {فَأغشَينَاهُمْ}. وقيل للشدائد: غمرات، قال تعالى: {فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ}. وقال الشاعر:
قَالَ الْعَوَاذِل إنَّنِيْ فِيْ غَمْرَةٍ ... صَدَقُوْا وَلَكِنْ غَمْرَتِي لَا تَنْجَلِي

الصفحة 532