كتاب تفسير حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن (اسم الجزء: 29)

آخره مع اتصاف أزواجه - صلى الله عليه وسلم - بها أيضًا؟
قلت: المراد خيرًا منكن في حفظ قلبه ومتابعة رضاه مع اتصافهن بهذه الصفات.
وليس (¬1) في الآية ما يدل على أنه - صلى الله عليه وسلم - لم يطلق حفصة، وعلى أن النساء خيرًا منهن، فإن تعليق الطلاق للكل لا ينافي تطليق واحدة، وما علق بما لم يقع لا يجب وقوعه. يعني: أن هذه الخيرية لما علقت بما لم يقع لم تكن واقعة في نفسها، وكان الله عالمًا بأنه - صلى الله عليه وسلم - لا يطلقهن، ولكن أخبر عن قدرته على أنه إن طلقهن .. أبدله خيرًا منهن، تخويفًا لهن، كقوله تعالى: {وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ}، فإنه إخبار عن القدرة وتخويف لهم، لا أن في الوجود من هو خير من أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم -.
قيل: كل {عَسَى} في القرآن واجب إلا هذا. وقيل: هو أيضًا واجب، ولكن الله علقه بشرط، وهو: التطليق، ولم يطلقهن. وفي "فتح الرحمن": {عَسَى} تكون للوجوب في ألفاظ القرآن إلا في موضعين:
أحدهما: في سورة محمد {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ}؛ أي: علمتم أو تمنيتم.
والثاني: هنا، ليس بواجب؛ لأن الطلاق معلق بالشرط، فلما لم يوجد الشرط .. لم يوجد الإبدال، انتهى.
وقرأ الجمهور (¬2): {طَلَّقَكُنَّ} بفتح القاف، وقرأ أبو عمرو في رواية ابن عباس بإدغامها في الكاف.
ثم وصف سبحانه الأزواج بقوله: {مُسْلِمَاتٍ}؛ أي: مقرات باللسان {مُؤْمِنَاتٍ}؛ أي: مخلصات بالجَنان .. فليس من قبيل التكرار - أو منقادات انقيادًا ظاهريًا بالجوارح مصدقات بالقلوب، أو قائمات بفرائض الإسلام، مصدقات بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، وبا لقدر خيره وشره. {قَانِتَاتٍ}؛ أي: مطيعات؛ أي: مواظبات على الطاعة، أو مصليات {تَائِبَاتٍ} من الذنوب {عَابِدَاتٍ}؛ أي: متعبدات، أو متذللات لأمر الرسول - صلى الله عليه وسلم - {سَائِحَاتٍ}؛ أي:
¬__________
(¬1) روح البيان.
(¬2) البحر المحيط.

الصفحة 469