كتاب تفسير حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن (اسم الجزء: 29)

وتشبيهًا لما هو من كلمتين بالكلمة الواحدة.
وقوله تعالى: {يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ} ولا يذله، ظرف ليدخلكم؛ أي: يدخلكم يوم لا يخزي الله النبي، وهو يوم القيامة. ولا يخزي: تعريض بمن أخزاهم الله من أهل الكفر والفسوق والنبي هو: محمد - صلى الله عليه وسلم -. قال بعض أهل التفسير (¬1): {يُخْزِي}: إما في الخزي، وهو الفضاحة، فيكون تعريضًا للكفرة الذين قال الله تعالى فيهم: {إِنَّ الْخِزْيَ الْيَوْمَ وَالسُّوءَ عَلَى الْكَافِرِينَ}. أو من الخزاية، بمعنى الحياء والخجل، وهو الأنسب هنا بالنظر إلى شأن الرسول خصوصًا إذا تم الكلام في النبي وإن أريد المعنى الأول .. حينئذ يجوز أن يكون باعتبار أن خزي الأمة لا يخلو عن إنشاء خزي ما في الرسول على ما يشعر به قوله - صلى الله عليه وسلم - في دعائه: "اللهم لا تخزنا يوم القيامة ولا تفضحنا يوم اللقاء" بعض الإشعار حيث لم يقل: لا تخزني، كما قال إبراهيم عليه السلام: {وَلَا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ (87)} ليكون دعاؤه عامًا لأمته من قوة رحمته، وأدخل فيهم نفسه العالية من كمال مروءته. قيل: الخزي كناية عن العذاب لملازمة بينهما. والأولى العموم لكل خزي يكون بسبب من الأسباب، من الحساب والميزان والعقاب وغيرها.
وقوله تعالى: {وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ} معطوف على النبي، و {مَعَهُ} صلة لا يخزي؛ أي: لا يخزي الله معه الذين آمنوا؛ أي: يعمهم بأن لا يخزيهم، أو حال من الموصول، بمعنى كائنين معه. أو متعلق بـ {آمَنُوا}؛ أي: صاحبوه في الإيمان، وهو الموافق لقوله تعالى: {وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ}.
والمعنى: أي ولا يخزي الذين اتبعوه في الإيمان، كما قال: {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ} وذلك (¬2) الخزي بسوء الحساب، والتعيير والعتاب وذل الحجاب، ورد الجواب، فيحاسبهم حسابًا يسيرًا، بل ويرفع الحساب عن بعضهم، ويلاطفهم، ويكشف لهم جماله، ويعطي مأمولهم من الشفاعة لأقاربهم وإخوانهم ونحولهم. والكلام تم عند قوله: {مَعَهُ}، وفيه تعريض بمن أخزاهم الله تعالى من أهل الكفر والفسوق كما سبق واستحماد إلى المؤمنين على أنه عصمهم من مثل حالهم. قيل:
¬__________
(¬1) روح البيان.
(¬2) روح البيان.

الصفحة 479