كتاب تفسير حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن (اسم الجزء: 29)

وقوله تعالى: {وَالَّذِينَ آمَنُوا} مبتدأ، خبره ما بعده من قوله {نُورُهُمْ} إلخ، أو خبره {مَعَهُ}. والمراد بالإيمان هو الكامل حينئذٍ، حتى لا يلزم أن لا يدخل عصاة المؤمنين النار.
{نُورُهُمْ} مبتدأ على الوجه الأول، وهو الأولى وخبره {يَسْعَى} ويضيء {بَيْنَ أَيْدِيهِمْ}؛ أي: قدامهم. والجملة الاسمية حال، أو مستأنفة لبيان حالهم؛ أي: نور إيمانهم وطاعتهم يضيء ويمشي بين أيديم. والسعي: المشي السريع القوي، وفيه إشارة إلى كمال اللمعان. والأيدي: جمع يد، يراد بها قدام الشيء. فالجمع إما بإطلاقه على التثنية أو بكثرة أيدي العباد {وَبِأَيْمَانِهِمْ} جمع يمين، مقابل الشمال؛ أي: عن أيمانهم وشمائلهم على وجه الإضمار. يعني: جهة أيمانهم وشمائلهم، أو عن جميع جهاتهم. وإنما (¬1) اكتفى بذكرهما لأنهمام أشرف الجهات. وقال بعضهم: تخصيص الأيدي والأيمان لأن أرباب السعادة يؤتون صحائف أعمالهم منهما، كما أن أهل الشقاوة يؤتون من شمائلهم ووراء ظهورهم فيكون ذلك علامة لذلك وقائدًا على الصراط إلى دخول الجنة وزينة لهم فيها.
وقرأ سهل بن شعيب، وأبو حيوة (¬2): {وبإيمانهم} بكسر الهمزة.
والمعنى: أي نورهم يسعى بين أيديهم حين يمشون وبإيمانهم حين الحساب، لأنهم يؤتون الكتاب بأيمانهم. وفيه نور وخير لهم.
ثم بيّن ما يطلبونه من ربهم، فقال: {يَقُولُونَ}؛ أي: يقول المؤمنون - وهو الظاهر -، أو الرسول لأمته، والمؤمنون لأنفسهم، إذا طفىء نور المنافقين إشفاقًا على نورهم؛ أي: يشفقون على العادة البشرية على نورهم أن ينطفىء ويتفكرون فيما مضى منهم من الذنوب، فيقولون: {رَبَّنَا}؛ أي: متولي أمورنا {أَتْمِمْ لَنَا}؛ أي: أدم لنا {نُورَنَا} ولا تطفئه عنا كنور المنافقين، فيكون المراد بالإتمام: الإدامة إلى أن يصلوا إلى دار السلام. وجملة القول في محل النصب على الحال أيضًا. {وَاغْفِرْ لَنَا} ذنوبنا، {إِنَّكَ} يا رب {عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} من الإتمام والمغفرة وغيرهما. وقيل: يدعون تقربًا إلى الله تعالى مع تمام نورهم، كقوله: {وَاسْتَغْفِرْ
¬__________
(¬1) روح البيان.
(¬2) البحر المحيط.

الصفحة 480