كتاب تفسير حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن (اسم الجزء: 29)

أعداء الله من حسن الخلق، فإن أشفق الخلق إذا كان مأمورًا بالغلظة عليهم، فما
ظنك بغير؟ فهي لا تنافي الرحمة على الأحباب. كما قال تعالى: {أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ}. {وَمَأْوَاهُمْ}؛ أي: مقرهم ومنزلهم في الآخرة {جَهَنَّمُ} ومصيرهم إليها، سيرون فيها عذابًا غليظًا. {وَبِئْسَ الْمَصِيرُ}؛ أي: المرجع الذي يرجعون إليه. والمخصوص بالذم جهنم وفيه تصريح بما علم التزامًا مبالغة.
يقول الفقير: إذا كان الأعداء الظاهرون يحتاجون إلى الغلظة والشدة .. فما ظنك بأعدى الأعداء، وهي النفس الأمارة بالسوء، ففي الغلظة عليها نجاة، وفي اللين هلاك، وفي المثل: العصا لمن عصا.
والمعنى (¬1): أي جاهد الكفار بالسيف، وقاتلهم قتالًا لا هوادة فيه، وجاهد المنافقين بالإنذار والوعيد وبيان سوء المنقلب وعنفهم بفضيحة عاجلة تبين قبح طواياهم وخبث نفوسهم كما حدث منه - صلى الله عليه وسلم - في المسجد الجامع لبعض المنافقين على ملأ من الناس، فقال: اخرج يا فلان، اخرج يا فلان، وأخرج منهم عددًا كثيرًا، ثم بيّن سوء عاقبتهم، فقال: {وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ}؛ أي: وسيكون مسكنهم جهنم وبئس المثوى والمقيل.

10 - {ضَرَبَ اللَّهُ} سبحانه وتعالى {مَثَلًا}؛ أي: شبهًا. وهو المفعول الثاني لضرب؛ لأنه بمعنى: جعل، و {اللام} في قوله: {لِلَّذِينَ كَفَرُوا} متعلق بـ {مَثَلًا}، وقوله: {امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ}؛ أي: حالهما. مفعوله الأول أخِّر عنه ليتصل به ما هو شرح وتفسير لحالهما، ويتضح بذلك حال هؤلاء الكفرة.
وضرب المثل (¬2) في أمثال هذه المواضع عبارة عن إيراد حالة غريبة ليعرف بها حالة أخرى مماثلة لها في الغرابة؛ أي: ضرب الله سبحانه وجعل حال امرأة نوح وامرأة لوط مثلًا وشبهًا لحال هؤلاء الكفرة في خيانتهم لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالكفر والعصيان مع تمكنهم التام من الإيمان والطاعة. وامرأة نوح هي: واعلة بالعين المهملة، أو والعة. وامرأة لوط هي: واهلة بالهاء. {كَانَتَا}؛ أي: كانت المرأتان {تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ} بيان لحالهما الداعية لهما إلى الخير
¬__________
(¬1) المراغي.
(¬2) روح البيان.

الصفحة 482