كتاب تفسير حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن (اسم الجزء: 30)
وَالصَّرْفُ في الْجَمْعِ أَتَى كَثِيْرًا ... حَتَّى ادَّعَى قَوْمٌ بِهِ التَّخْيِيْرَا
والصرف ثابت في مصاحف المدينة، ومكة، والكوفة، والبصرة، وفي مصحف أبي وعبد الله، كذا {قوارير}. وروى هشام عن ابن عامر {سلاسل} في الوصل، و {سلاسلا} بألف دون تنوين في الوقف. وروي: أن من العرب من يقول: رأيت عمرًا بالألف في الوقف.
{وَأَغْلَالًا} بها يقيدون إهانة وتعذيبًا لا خوفًا من الفرار. جمع غل بالضم، وهو ما تطوق به الرقبة للتعذيب، وقد سبق في الحاقة مفصلًا. {وَسَعِيرًا}؛ أي: نارًا مسعرة متقدة بها يحرقون.
وإنما (¬1) يجرون إلى جهنم بالسلاسل لعدم انقيادهم للحق، ويحقرون بأن يقيدوا بالأغلال لعدم تواضعهم لله، ويحرقون بالنار لعدم احتراقهم بنار الخوف من الله تعالى.
والمعنى: أي إنّا هيأنا لمن كفروا بنعمتنا، وخالفوا أمرنا سلاسل بها يقادون إلى الجحيم وأغلالًا بها تشد أيديهم إلى أعناقهم كما يفعل بالمجرمين في الدنيا، ونارًا بها يحرقون. ونحو الآية قوله تعالى: {إِذِ الْأَغْلَالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَالسَّلَاسِلُ يُسْحَبُونَ} {فِي الْحَمِيمِ ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ (72)}.
5 - وبعد أن ذكر ما أعده للكافرين بين ما أعده للشاكرين من شراب شهي، ولباس بهيّ، فقال: {إِنَّ الْأَبْرَارَ}؛ أي: إن أهل البر والطاعة والإخلاص والصدق. جمع بر كرب وأرباب أو جمع بار كشاهد وأشهاد، وهو من يبر خالقه؛ أي: يطيعه. يقال: بررته أبره كعلمته وضربته. وعن الحسن رحمه الله: البر: من لا يؤذي الذر ولا يضمر الشر، كما قيل:
وَلَا تُؤْذِ نَمْلًا إنْ أَرَدْتَ كَمَالَكَا ... فإنَّ لَهَا نَفْسًا تَطِيْبُ كَمَالَكَا
وفي "المفردات": البر خلاف البحر، وتصور منه التوسع، فاشتق منه البر؛ أي: المتوسع من فعل الخير، وبر العبد ربه: توسع في طاعته، ويشمل الاعتقاد والأعمال الفرائض والنوافل. وفي "الصحاح" جمع البر: الأبرار، وجمع البار:
¬__________
(¬1) روح البيان.