كتاب تفسير حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن (اسم الجزء: 30)
21 - {عَالِيَهُمْ} ظرف على أنه خبر مقدم {ثِيَابُ سُنْدُسٍ} مبتدأ مؤخّر. والجملة حال من ضمير {عَالِيَهُمْ}؛ أي: يطوف على الأبرار ولدان عاليًا على المطوف عليهم ثياب سندس؛ أي: فوقهم وعلى ظهوره ثياب سندس. والسندس: هو الديباج الرقيق الفاخر الحسن. وإضافة الثياب إلى السندس كإضافة الخاتم إلى الفضة. وقوله: {خُضْرٌ} بالرفع صفة {ثِيَابُ}. وهو جمع أخضر كحمر جمع أحمر. والضمير في {عَالِيَهُمْ} للأبرار المطوف عليهم كما مرّ آنفًا؛ لأنّ المقام مقام تعداد نعيمهم وكرامتهم، فالمناسب أن تكون الثياب الموصوفة لهم لا للولدان الطائفين. وعن الإِمام: أنَّ المراد فوق خيامهم المضروبة عليهم، والمعنى: أن حجالهم من الحرير والديباج، وهذا من علامات الملك. {وَإِسْتَبْرَقٌ} بالرفع عطفًا على {ثِيَابُ} بحذف المضاف؛ أي: ثياب استبرق، وهو معرَّب استبره بمعنى الغليظ، وهو بقطع الهمزة لكونه اسما للديباج الغليظ الذي له بريق.
وقرأ الجمهور (¬1): {ثَمَّ} بفتح المثلثة. وقرأ حميد والأعرج {ثُمَّ} بضمها حرف عطف، وجواب {إذا} على هذا محذوف؛ أي: وإذا رميت ببصرك ثم رأيت نعيمًا وملكًا كبيرًا ترى عجبًا عجيبًا وصنعًا بديعًا، لا يقادر قدره، ولا يدرك كنهه. وقرأ عمر (¬2) وابن عباس، والحسن، ومجاهد، والجحدريّ، وأهل مكة، وجمهور السبعة {عَالِيَهُمْ} بفتح الياء وضم الهاء، على أنه ظرف في محل رفع على أنه خبر مقدم، و {ثِيَابُ} م مبتدأ مؤخّر كأنه قيل: فوقهم ثياب سندس. قال الفرّاء: إن عاليهم بمعنى فوقهم، وكذا قال ابن عطية. قال أبو حيان: عالٍ وعالية اسم فاعل، فيحتاج في كونهما ظرفين إلى أن يكون منقولًا من كلام العرب، وقد تقدمه إلى هذا الزجاج كما مرّ. وقال: هذا مما لا نعرفه في الظروف، ولو كان ظرفًا .. لم يجز إسكان الياء، ولكنّه نصب على الحال من شيئين. أحدهما: الهاء والميم في قوله: {يطوف عليهم}؛ أي: على الأبرار {وِلْدَانٌ} عاليًا لأبرار {ثِيَابُ سُنْدُسٍ}؛ أي: يطوف عليهم في هذه الحال. والثاني: أن يكون حالًا من الولدان؛ أي: إذا رأيتهم .. حسبتهم لؤلؤًا منثورًا في حال علو الثياب أبدانهم. وقال أبو علي الفارسي: العامل في الحال إما {لقاهم نضرة وسرورًا}، وإما {وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا}، وقال: ويجوز أن
¬__________
(¬1) البحر المحيط.
(¬2) البحر المحيط والشوكاني.