كتاب تفسير حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن (اسم الجزء: 30)
منفي، لا يجيز البصريون في الظرف المضاف إليها البناء بوجه، وإنما هذا مذهب كوفيّ. وقيل: هو منصوب على الظرفية، والإشارة بهذا إلى ما تقدم من الوعيد، كأنّه قيل: هذا العذاب المذكور كائن يوم لا ينطقون.
36 - {وَلَا يُؤْذَنُ لَهُمْ} في الاعتذار {فَيَعْتَذِرُونَ} معطوف (¬1) على {يُؤْذَنُ} منتظم في سلك النفي؛ أي: لا يكون لهم إذن واعتذار، متعقّب له من غير أن يجعل الاعتذار مسبّبًا عن الإذن، كما لو نصب فيقال: فيعتذروا، والنصب يوهم أنّ لهم عذرًا وقد منعوا من ذكره، وهو خلاف الواقع، إذ لو كان لهم عذر لم يمنعوا. وأيّ عذر لمن أعرض عن منعمه، وكفر بأياديه ونعمه؟
وقرأ الجمهور (¬2): {يُؤْذَنُ} على البناء للمفعول. وقرأ زيد بن عليّ {ولا يأذن} على البناء للفاعل؛ أي: لا يأذن الله لهم؛ أي: لا يكون لهم إذن من الله فيكون لهم اعتذار. قال الفرّاء: الفاء في {فَيَعْتَذِرُونَ} عاطفة على {يُؤْذَنُ} وأجيز ذلك؛ لأن أواخر الكلام بالنون، ولو قال: فيعتذروا لم يوافق الآيات. وقد قال: {لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا} بالنصب، والكل صواب.
والمعنى: أي هذا يوم لا يتكلمون من الحيرة والدهشة، ولا يؤذن لهم في الاعتذار؛ لأنه ليس لديهم عذر صحيح، ولا جواب مستقيم. وقد يكون المعنى: هذا يوم لا ينطقون بما يفيد فكأنّهم لا ينطقون. وتقول العرب لمن ذكر ما لا يفيد: ما قلت شيئًا.
37 - {وَيْلٌ}؛ أي: كرب عظيم {يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ} بما دعتهم إليه الرسل، وأنذرتهم عاقبته.
وقال القاضي في كشف ما يلتبس في القرآن: إن قلت: نفي النطق عنهم يدل على انتفاء الاعتذار منهم؛ إذ الاعتذار لا يكون إلا بالنطق، فما فائدة قوله عقبه: {وَلَا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ (36)}؟
قلت: معناه: لا ينطقون ابتداء بعذر مقبول، ولا بعد أن يؤذن لهم في الاعتذار .. لو أذن لهم فيه؛ إذ الخائف عادة قد لا ينطق لسانه بعذر وحجة لخوفه،
¬__________
(¬1) روح البيان.
(¬2) البحر المحيط.