كتاب تفسير حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن (اسم الجزء: 31)

بعضًا كالتقابل، وقد يستعمل أيضًا في أن يتحدثوا به، وإن لم يكن سؤال، قال الله تعالى: {فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ (50) قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ (51)} الآية، وهذا يدل على أنه التحدث. انتهى.
وقرأ الجمهور: {يَتَسَاءَلُونَ}، وقرأ عبد الله وابن جبير: {يَسَّاءلون} بغير تاء وشد السين، وأصله {يتساءلون} بالتاء، فأدغمت التاء في السين.

2 - ثم ذكر سبحانه تساؤلهم عن ماذا، وبيَّنه فقال: {عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ (2)} والنبأ: الخبر الذي له شأن وخطر، وهو جواب وبيان لشأن المسؤول عنه، كأنه قيل: عن أي شيء يتساءلون؟ هل أخبركم به ثم قيل بطريق الجواب: عن النبأ العظيم الخارج عن دائرة علوم الخلق يتساءلون على منهاج قوله تعالى: {لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ}.
والفائدة في أن يذكر السؤال ثم أن يذكر الجواب معه (¬1): كون هذا الأسلوب أقرب إلى التفهيم والإيضاح، فـ {عَنْ} متعلقة بما يدل عليه المذكور من مضمر حقه أن يقدر بعدها مسارعةً إلى البيان، ومراعاة لترتيب السؤال، فإن الجار فيه مقدم على متعلقه.

وقيل: {عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ (2)} استفهام آخر بمعنى: أعن النبأ العظيم، أم عن غيره؟ إلا أنه حذف منه حرف الاستفهام لدلالة المذكور عليه، ونظيره قوله تعالى: {أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ}؛ أي: أهم الخالدون؟

3 - {الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ (3)} وصف النبأ بعد وصفه بـ {الْعَظِيمِ} تأكيدًا لخطره إثر تأكيد، وإشعارًا بمدار السؤال عنه، فهو متصف بالعُظم، ومتصف بوقوع الاختلاف فيه، {فِيهِ} متعلق بـ {مُخْتَلِفُونَ} قدم عليه اهتمامًا به ورعايةً للفواصل، وجعل الصلة جملة اسمية للدلالة على الثبات في الاختلاف فيه؛ أي هم راسخون في الاختلاف فيه، فمن جازم باستحالته يقول: {إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ (37)} ومن مقر يزعم أن آلهته تشفع له، كما قالوا {هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ}، ومن شاكٍ يقول: {مَا نَدْرِي مَا السَّاعَةُ إِنْ نَظُنُّ إِلَّا ظَنًّا وَمَا نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ}.
¬__________
(¬1) روح البيان.

الصفحة 12