كتاب تفسير حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن (اسم الجزء: 31)

بينهما اعتراض بين الصفة والموصوف، جيء به للترغيب فيها، والحث على حفظها؛ أي: إنها تذكرة كائنة في صحف منتسخة من اللوح، أو خبر ثانٍ لـ {إن}، فالجملة معترضة بين الخبرين. {مُكَرَّمَةٍ}: صفة لـ {صُحُفٍ}؛ أي: مكرمة مشرفة عند الله تعالى لما فيها من العلم والحكمة، أو لأنها نازلة من اللوح المحفوظ، وقيل: صحف القرآن المكرم؛ لأن الصحف يطلق على كتب الأنبياء، كما في قوله تعالى: {إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَى (18) صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى (19)}.

14 - ومعنى: {مَرْفُوعَةٍ} رفيعة القدر والذكر عند الله تعالى، فإنها في المشهور موضوعة في السماء الدنيا في مكان يقال له: بيت العزة، وقيل: مرفوعة في السماء السابعة. قال الواحدي (¬1): قال المفسرون {مُكَرَّمَةٍ} يعني: اللوح المحفوظ {مَرْفُوعَةٍ} يعني: في السماء السابعة. وقال ابن جرير: مرفوعة القدر والذكر، وقيل: مرفوعة عن الشبهة والتناقض {مُطَهَّرَةٍ}؛ أي: منزهة عن مساس أيدي الشياطين، لا يمسها إلا المطهرون، وفيه: أن الصحف بأيدي الملائكة في السماء الدنيا، والشياطين لا يصلون إلى السماء، فلا يظهر مدح الصحف بتطهرها عن مسهم. وقال الحسن: مطهرة من كل دنس ونقص. وقال السدي: مصانة من الكفار لا ينالونها.
15 - والظاهر (¬2): أن الجار والمجرور في قوله: {بِأَيْدِي سَفَرَةٍ (15)} صفة لـ {صُحُفٍ}؛ أي: في صحف كائنة بأيدي سفرة، أو مكتوبة بأيدي كتبة من الملائكة ينتسخونها من اللوح المحفوظ، ومن هذا (¬3) وقف بعضهم على {مُطَهَّرَةٍ} وقفًا لازمًا هربًا من توهم تعلق الباء به، وقيل: الباء متعلقة بـ {مُطَهَّرَةٍ}. قال القفال في توجيهه: لما لم يمسها إلا الملائكة المطهرون .. أضيف التطهير إليها لطهارة من يمسها، وقال القرطبي: إن المراد بقوله: {لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ (79)}: هؤلاء السفرة الكرام البررة، و {السفرة}: جمع سافر، ككتبة وكاتب، من السفر، وهو الكتب؛ إذ في الكتابة معنى السفر؛ أي: الكشف والتوضيح، والكاتب سافر؛ لأنه يبين الشيء ويوضحه، وسمي السفر بفتحتين سفرًا؛ لأنه يسفر ويكشف عن أخلاق المرء، قالوا: وهذه اللفظة مختصة بالملائكة، لا تكاد تطلق على غيرهم، وإن جاز الإطلاق بحسب اللغة.
وقال الفراء: السفرة هنا: الملائكة الذين يسفرون بالوحي بين الله تعالى
¬__________
(¬1) الشوكاني.
(¬2) روح البيان.
(¬3) روح البيان.

الصفحة 127