كتاب تفسير حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن (اسم الجزء: 31)

أحدًا بمواساة أحدٍ، ولا بالالتفات إليه مهما يكن عطفه عليه، واتصاله به .. أردفه ببيان أن الناس في ذلك اليوم سعداء وأشقياء، وأشار إلى الأولين بقوله: {وُجُوهٌ} كثيرة، وهو مبتدأ، وسوغ الابتداء بالنكرة وقوعه في معرض التفصيل {يَوْمَئِذٍ}؛ أي: يوم إذ يفر المرء من أقربائه، وهو ظرف مضاف لمثله، والتنوين عوض عن الجملة المحذوفة كما قدرنا متعلق بقوله: {مُسْفِرَةٌ}؛ أي: مضيئة متهللة، وهو خبر المبتدأ، وقول "الشوكاني" وغيره هنا: الظرف متعلق بـ {وُجُوهٌ} .. غير صواب؛ لأن الوجوه جمع وجه، وهو من أسماء الأعيان التي ليست فيها رائحة الفعل، فكيف يتعلق به الجار والمجرور، ومعنى {مُسْفِرَةٌ} مشرقة مضيئة، من: أسفر الصبح إذا أضاء، وهو من الأفعال اللازمة، وهي وجوه المؤمنين؛ لأنهم قد علموا إذ ذاك ما لهم من النعيم والكرامة. قال الضحاك: مسفرة من آثار الوضوء، وقيل: من قيام الليل. وفي الحديث: "من كثرت صلاته بالليل .. حسن وجهه بالنهار"، وقيل: من طول ما اغبرت في سبيل الله.

39 - {ضَاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ (39)} بما تشاهده من النعيم المقيم، والبهجة الدائمة، وفي بعض (¬1) التفاسير {ضَاحِكَةٌ}؛ أي: مسرورة فرحة لما علموا من الفوز والسعادة، أو لفراغهم من الحساب بالوجه اليسير {مُسْتَبْشِرَةٌ}؛ أي: ذات بشارة بالخير، فكأنه بيان لقوله: {ضَاحِكَةٌ} انتهى. وهما خبران آخران لـ {وُجُوهٌ}، وفي "عين المعاني": ضاحكة من مسرة العين، مستبشرة من مسرة القلب، يقول الفقير: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ (38)} لابيضاضها في الدنيا بالتزكية والتصفية، وزوال كدوراتها {ضَاحِكَةٌ}؛ لأنها بكت في الله أيام دنياها حتى صارت عمياء عن رؤية ما سوى الله تعالى مطلقًا، كما وقع لشعيب ويعقوب عليهما السلام. {مُسْتَبْشِرَةٌ} لأمنها بدل خوفها في الدنيا، ولذا قال تعالى: {لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ} بأن تقول لهم الملائكة: لا تخافوا وأبشروا بالجنة والرؤية. والضحك: هو انبساط الوجه وتكشر الأسنان من سرور النفس، ولظهور الأسنان عنده .. سميت مقدمة الأسنان ضواحك، ويستعمل في السرور المجرد كما في الآية.
والمعنى (¬2): أي وجوه يومئذٍ متهللة ضاحكة فرحة بما تجد من برد اليقين بأنها
¬__________
(¬1) روح البيان.
(¬2) المراغي.

الصفحة 139