كتاب تفسير حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن (اسم الجزء: 31)

التآنس ببني آدم، يجمع على: وحوش ووحشان، والواحد: وحشي كما مر عن "القاموس". والأهليّ: خلاف الوحشي.
{حُشِرَتْ}؛ أي: جمعت واختلط بعضها ببعض من هول ذلك اليوم، أو ماتت وهلكت.
{سُجِّرَتْ} يقال: سجر التنور يسجر سجرًا - من باب نصر -: إذا ملأه وقودًا وأحماه، وسجر الماء النهر إذا ملأه، وسجر البحر: فاض، وسجر الماء في حلقه: صبه، وسجر الكلب: سنده بالساجور، وسجر الشيء: أرسله، هذا ما ذكرته معاجم اللغة بصدد هذه المادة، وكلب مسجور: أي مطوق بالساجور، وهو طوق من حديد، مسمر بمسامير حديدة الأطراف، وقد أحصى القرطبي الأقوال في تسجير البحار كمادته، ونشير إليها بإيجاز: {وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ (6)}؛ أي:

1 - ملئت من الماء، فيفيض بعضها إلى بعض، فتصير شيئًا واحدًا.

2 - وقيل: أرسل عذبها على مالحها حتى امتلأت.

3 - وقيل: صارت بحرًا واحدًا.

4 - وقيل: يبست فلا يبقى من مائها قطرة.

5 - وقيل: أوقدت فصارت نارًا.

6 - وقيل: هي حمرة مائها حتى تصير كأنها الدم.
{وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ (7)}؛ أي: قرنت الأرواح بأجسادها.
{وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ (8)} والموءودة: هي التي دفنت وهي صغيرة، وقد كان ذلك عادة فاشية في جاهلية العرب، وكان ذوو الشرف منهم يمنعون من هذا، حتى افتخر بذلك الفرزدق فقال:
وَجَدِّيْ الَّذِيْ مَنَعَ الْوَائِدَا ... تِ وَأَحْيَا الْوَئِيْدَ فَلَمْ يُوْءَدِ
والفرزدق: هو أبو فراس همام بن غالب بن صعصعة، افتخر بجده صعصعة، إذ كان منع وأد البنات، وكان يشتريهن من آبائهن، فجاء الإِسلام وقد أحيا سبعين موؤودة، قال في "الأساس": وأد ابنته: أثقلها بالتراب، وأصله من الثقل، كأنها تثقل من التراب حتى تموت، ومنه: اتئد؛ أي: توفر وأثقل، فالابنة وئيد ووئيدة

الصفحة 183