كتاب تفسير حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن (اسم الجزء: 31)

والمعنى: أنه كرِّر الدَّكُّ عليها حتى صارت هباءً منبثًا.
والخلاصة: أنه إذا دكت الأرض دكًا بعد دك، وتتابع عليها ذلك حتى صارت كالصخرة الملساء، وذهب كل ما على وجهها من جبال وقصور وأبنية .. يتذكر الإنسان ما فرط فيه.

2 - 22 {وَجَاءَ رَبُّكَ} واعلم (¬1) أن هذه الآية من آيات الصفات التي سكت عنها وعن مثلها عامة السلف وبعض الخلف، فلم يتكلموا فيه، وأجروها كما جاءت من غير تكييف ولا تشبيه ولا تأويل، وقالوا: يلزمنا الإيمان بها، وإجراؤها على ظاهرها، فتقول على مذهبهم: المجيء صفة واجبة لله تعالى، نثبتها ونعتقدها من غير تكييف ولا تمثيل ولا تعطيل، وهذا هو المذهب الأسلم الأعلم، وتأولها بعض المتأخرين وغالب المتكلمين، فقالوا: ثبت بالدليل العقلي أن الحركة على الله محال، فلا بد من تأويل الآية، فقيل في تأويلها: وجاء أمر ربك بالمحاسبة والجزاء، وقيل: جاء أمر ربك وقضاؤه، وقيل: وجاء دلائل آيات ربك، فجعل مجيئها مجيئًا له تعالى تفخيمًا لتلك الآيات، وقال الإمام أحمد: معناه: جاء أمر ربك وقضاؤه، فهو على حذف مضاف للتهويل.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما: جاء أمره وقضاؤه، وقال النسفي: وهذا (¬2) تمثيل لظهور آيات اقتداره، وتبين آثار قهره وسلطانه، فإن واحدًا من الملوك إذا حضر بنفسه .. ظهر بحضوره من آثار الهيبة ما لا يظهر بحضور وزرائه وسائر خواصه وعساكره. انتهى. بتصرف.
وقال الشوكاني: أي: جاء أمره وقضاؤه، وظهرت آياته، وقيل: المعنى: أنها زالت الشبه في ذلك اليوم، وظهرت المعارف، وصارت ضرورية، كما يزول الشك عند مجيء الشيء الذي كان يشك فيه، وقيل: جاء قهر ربك وسلطانه، وانفراده بالأمر، والتدبير من غير أن يجعل ويفوض إلى أحد من عباده شيئًا من ذلك. انتهى.
{و} جاء {الْمَلَكُ}؛ أي: ونزلت ملائكة كل سماء حالة كونهم {صَفًّا صَفًّا}
¬__________
(¬1) البيضاوي.
(¬2) النسفي.

الصفحة 425